رحم الله الرجل العلم شيخنا عبدالكريم الجهيمان وأسكنه فسيح جناته ،وجزاه الله خير الجزاء على إسهاماته الرائعة في المجالات الكثيرة المتعددة التي عمل بها بكل إخلاص .. تعزيتي الحارة لأسرته الكريمة وخاصة ابنته د. ليلى الجهيمان.. لقد كان علما ومُعلما، ليس للطلبة الذين علمهم ولكن لنا نحن جميعا وجيل آبائنا من قبلنا ، كان مفكرا حقيقيا.. صحفيا بالسليقة جديرا بهذه الصفة ، وذا رأي لايعرف الببغاوية .. مجاهدا في سبيل العلم والرأي ،أسس(صحيفة أخبار الظهران) في مدينة الظهران والتي كانت تشهد آن ذاك ضخا بشريا كبيرا مختلفة انواعه ، وسعوديون من مختلف المناطق .. وكان العمال السعوديون يأتون من كل مكان .. فانتقد بكل جرأة في حين قلت الجرأة ، ممارسات شركة أرامكو ضدهم، والتي كانت إدارتها أمريكية ، وطالب بحقوق العمال السعوديين بيئة وعملًا.. كما دعا لتعليم البنات وكان ذلك يعتبر خروجا على العرف وربما الدين ، وأبدى نشاطا وطنيا مميزا ، وذاق المعتقلات في سبيل رأيه .. من أشهر أعمال الجهيمان في البحث الشعبي، والتي اهتممت بها وأفخر أنني كتبت عنها مجموعة مقالات في جريدة الرياض بعنوان (من عمق المشافهة إلى قلب التدوين) ، كما قدمت كلمة عنها في جمعية الثقافة والفنون ،عندما تمت استضافته رحمه الله . استلهمت منها أيضا في كتاباتي ومقالاتي : موسوعة الأساطير الشعبية في شبه الجزيرة العربية : خمسة أجزاء.(وهذه أذهلتني كثيرا ومنها اخترت حكايات قصصتها على أطفالي .. ومنها كان لغيري استلهامات عديدة ولعل للحكاية الشعبية (حصان أخوي أخضير) تطويرا خلال عملية التواتر عبر القصص والتداعيات .. وهي من حكايات اللامعقول والتي خرج بها علينا الأديب توفيق الحكيم بعد ذلك بسنين ... موسوعة الأمثال الشعبية : عشرة أجزاء. كتاب دخان ولهب وهو عبارة عن مجموعة مقالات اصدرها في عدة صحف سعودية منها (جريدة الظهران) .. وهي أول من عرفني بالجهيمان ككاتب متميز .. ومتجاوز زمانه .. .. ولابد أن نذكر بكل فخر صدق هذا الرجل وثباته لم تغره مناصب ولا تداعى كما يتداعى الإنسان العادي جراء إجراء بحقه ، مضى كما يمضي الشهاب ، في طريقه .. فعاش كبيرا وغادرنا كبيرا .. لابد أن نذكر فضل أ. الجهيمان رحمه الله .. في جمع الحكايات كما جمع الأمثلة الشعبية وشرحها وهو جهد كبير ، ويساعد على دراسة طبيعة المجتمع النجدي آن ذاك ، ولقد جمعها جمعا علميا.. ولابد لي من أن أذكر أنّ عمله هذا شجع الدارسين على دراسة التراث والتعمق به ، كما شجع غيره على ولوج هذه المجالات التي لم يردها أحد من قبل .. بعده بسننين طويلة تنبهت الدول الخليجية للبحث في التراث الشعبي وعمقه ..فأسست المراكز للدراسات والأبحاث فيها ولتسجيل هذا التراث وحفظه من الضياع .. لابد من الوقوف قليلا على المنهج الذي اتبعه الجهيمان في جمع الحكاية ولغتها تمثل المنهج في مرحلتين كما عبر عنه في مقدمة المجلدات..... المرحلة الاولى: الجمع الميداني. المرحلة الثانية : التدوين والتفصيح.. جمعها من الاصدقاء والمعارف وحكايات من زوجته ومما علق بذاكرته من حكايات الطفولة, اي مباشرة من رواتها,ولم يبخسهم حقهم فكان لكل راوية اسمها .. لعله حاول ان يغطي أكبر عدد ممكن من الحكايات الشعبية النجدية, فجاءت حكايات بما يفوق المئتي حكاية... المرحلة الثانية: التدوين والتفصيح لقد بدأ الجهيمان يدون ولان هذه الحكايات تروى باللهجة النجدية, التي لاشك ستصعب على الكثيرين, فهو دونها بلغة عربية مبسطة, يفهمها متوسط التعليم وعاليه, كما يمكن ان يتلذذ الصغار بقراءتها لذا فتدوين الجهيمان, كان تفصيح الحكايات... مع الاحتفاظ ببعض الكلمات النجدية التي تعطيها النكهة الشعبية, فأفرد صفحات في نهاية كل مجلد لشرحها ،وهنا لابد من الوقوف قليلا لملاحظة. ان محاولة تهذيب الحكايات. افقد بعضها شيئا من النكهة التي تعودناها اثناء قص الجدات وإن كان تفصيحها جعل بإمكان الباحثين العرب الاستفادة منها لدراسة طبيعة المجتمع النجدي ولا شك أن هذا يغفر ذاك .. مغفرة ورحمة لك يا معلمنا الكبير الشيخ عبدالكريم الجهيمان..