لو تم طرح استفتاء عام حول تفضيل السكن في المدن الكبرى أو العودة للسكن في المدن الصغرى، فإنني أكاد أجزم بأن الغالبية العظمى من المجيبين على الاستفتاء لن يفضلوا العيش في المدن الكبرى التي تتسم بالصخب والزحام والغلاء المعيشي، لكن توافر الوظائف والخدمات وخصوصاً الصحة والتعليم أجبر الكثير على الهجرة للمدن الكبرى. إن الفترة الراهنة والتي نعيش فيها ولله الحمد بطفرة اقتصادية في المملكة تستدعي النظر بشكل جاد لتشجيع الهجرة المعاكسة نحو المدن الصغرى وذلك من خلال دعمها بمشاريع حيوية لاسيما في قطاعي الصحة والتعليم، وإبراز وتسويق ما تحويه تلك المدن من إمكانات معيشية وموارد اقتصادية وفرص وظيفية لجذب الهجرة إليها وبالتالي جعلها أكثر تنافسية مع المدن الكبرى. وفي الحقيقة أعتقد أن غالبية المشاكل العمرانية والاقتصادية والاجتماعية التي تعاني منها المدن الكبرى هي نتاج حتمي لتكريس المشاريع الحيوية فيها، صحيح أن هناك خطوات إيجابية وجيدة نحو دعم المحافظات والمدن الأقل نمواً وخصوصاً في مجال التعليم العالي إلا أن ذلك وحده لن يكون كافياً مالم تتكامل المنظومة التنموية التي تغطي كافة قطاعات التنمية في كل محافظة ومدينة. إذاً يجب أن توحد جهود الجهات الحكومية والخطط التنموية لتعمل على دعم المدن الصغرى مع إيقاف ضخ المشاريع في المدن الكبرى، وتحفيز القطاع الخاص كذلك لتوجيه بعض استثماراته نحو المحافظات بإعطائه مزيداً من المزايا التنافسية. *متخصص في التخطيط العمراني