وفقاً لبيانات آخر تعداد سكاني للمملكة تم في عام 1431ه ، هناك ما يصل تقريباً إلى نصف عدد السكان البالغ سبعة وعشرين مليون نسمة يقيمون في خمس مدن رئيسية كبرى ، هي الرياض العاصمة، وجدة، ومكة المكرمة، والمدينةالمنورة، والدمام، وهذه المدن تعاني في ذات الوقت من ارتفاع متواصل في معدلات نموها السكاني سنوياً، سواء كان مصدر ذلك النمو نزوح بعض سكان المدن المتوسطة والصغيرة المحيطة إليها ، أو من الوافدين للعمل في المملكة من الخارج لذا نلمس بوضوح في تلك المدن ولو بدرجات متفاوتة ثالوث مشكلاتنا التنموية المتأزمة، وهي شح المساكن، ومحدودية فرص العمل والمنافسة الشديدة عليها، وارتفاع تكاليف المعيشة وما يؤدي إليه من زيادة نسبة الفقر، وما مقدار الطلب على المساكن في المملكة الذي تصل نسبة 70 % منه في تلك المدن إلا شاهد واضح على تأزم التنمية بها وما تعانيه من ضغط متواصل على ما يتوفر بها من شبكة مرافق وخدمات ، التي نجد أن تلك المدن غير قادرة ليس فقط على ملاحقة تلبية الاحتياج المتنامي لهذه المرافق والخدمات ، وإنما في العجز حتى في الإبقاء على كفاءة ما هو قائم منها . وحين نلقي بنظرة على تلك المدن الرئيسية، نجد أن ما بين 30 - 40 % من سكانها هم أفراد وأسر وافدة أتت مع عائلها للعمل في المملكة ، وتمثل عامل ضغط أساسي في زيادة الطلب على شبكة المرافق وقطاع الخدمات في تلك المدن، في ذات الوقت نجد أن هناك مدناً صغيرة محيطة بتلك المدينة الرئيسية وعلى مسافة قريبة منها عبر وسائل النقل المتاحة، يتوفر بها الحد الأدنى من المرافق والخدمات، تفوق في كثير من الأحيان احتياج عدد السكان المقيمين بها حالياً، وتملك تلك المدن الصغيرة الاستعداد على استقبال واستيعاب مزيد من السكان، وبتكاليف استثمارية أقل ، وقادرة إلى حد ما على تلبية احتياجاتهم اليومية، وفق الطاقة القصوى لما يتوفر بها من تلك المرافق والخدمات. إن المحاولات التي بذلتها قطاعات التنمية في المملكة على مدى السنوات الماضية ولا زالت في السعي لجعل المدن الصغيرة تعمل على إبقاء سكانها السعوديين، وتوفير المناخ الذي لا يجعلهم مضطرين للنزوح والهجرة للمدن الكبرى للإقامة في بيئة سكن أفضل، قريباً من فرص التعليم والعمل، وتهيئة بعض الظروف التي تتيح نمو تلك المدن ولو بمعدلات منخفضة ، نرى بوضوح أنها لم تفلح في بلوغ أهدافها بل أخذت معدلات النمو بتلك المدن تظهر بالقيمة السالبة عبر تناقص عدد السكان ، وبالتالي ما أفضى إليه ذلك من ارتفاع تكاليف التشغيل والصيانة للمرافق والخدمات بها. إن الظروف الحالية للمدن الرئيسية الكبرى بمعدلات النمو المرهقة لأجهزتها ، والمدن الصغيرة بضمور أوجه الحياة بها، هي مواتية بدرجة كبيرة لإيجاد عدد من الحوافز ووضع بعض من القيود على نسبة كبيرة من الأسر الوافدة من خارج المملكة وفقاً للمستوى المهني لعائلها لاستبدال السكن في المدن الكبرى والإقامة بتلك المدن الصغيرة، القريبة بدرجة معقولة من مقر عمل من يعولها في المدن الرئيسية ، والمتوفر بها ما تحتاجه من مرافق وخدمات، وفي ذات الوقت البعيدة عن التأثير على معدلات الطلب في المدن الكبرى لما تمت تهيئته للمواطن وأسرته بالدرجة الأولى من إسكان وخدمات صحية وتعليمية وشبكة كهرباء ومياه ونقل ونحوها، حيث ستؤدي إقامة تلك الأسر الوافدة في هذه المدن الصغيرة على تنشيط حركة الحياة اليومية بها، وتوفير فرص عمل جديدة لخدمتها، يتم شغلها بمواطنين، وبالتالي جعلها في مرحلة تالية أقطاب جذب للتنمية خارج المدن الرئيسية الكبرى ونواة لبيئة سكن وعمل مستقبلية جاهزة من الآن للأعداد الكبيرة من الخريجين ، ومن سيفد من المبتعثين وأسرهم خلال السنوات القادمة لتحل محل تلك الأيدي العاملة الوافدة وأسرها، فهذا هو ما سيؤدي في نهاية المطاف إلى خفض معدلات النمو العالية تدريجياً بالمدن الرئيسية الكبرى، لتعود إلى مستوياتها الطبيعية ، وتحد بالتالي من أزمات التنمية بها في المستقبل .