بدأ سكان الفلوجة في العودة الوجلة إلى مدينتهم التي هجروها في نوفمبر الماضي قبل المواجهة الشرسة الأخيرة بين العناصر المسلحة والقوات الأمريكية والتي تركت المدينة خراباً بعد أن دمرت الدبابات الأمريكية منازلها وخطوط الكهرباء وقطعت أشجار نخيلها. وعبر عشرات الآلاف من السكان مقطبي الوجوه والذين يبدو عليهم مظاهر الحزن والقلق نقاط التفتيش الصارمة خلال الأسبوع الماضي ليكتشفوا بعد أسابيع من المعاناة والتفكير القلق حجم ما لحق بمنازلهم وممتلكاتهم ومحلاتهم التجارية من دمار وما إذا كانت قد تحولت تماماً إلى ركام ام تعرضت فقط لأضرار متفاوتة. وحتى إذا سلمت منازلهم من الدمار فإن سكان المدينة المنكوبة بقوا فيحيرة من امرهم ومتشككين في استطاعة عوائلهم استئناف حياتهم العادية في مكان تنعدم فيه إمدادات كهرباء مياه شرب والمدارس والنشاط التجاري حيث أضحت مدينتهم العامرة فيما مضى خاوية ينعق في انقاضها البوم وتمتلئ طرقاتها بالقوات الأمريكية والعراقية ويحظر فيها التجول من الساعة السادسة مساء وحتى السادسة صباحاً بل ولا تزال هناك اشتباكات يومية مع العناصر المسلحة. واختار فقط أولئك الذين لديهم مقدرة احتمال كبيرة على البقاء في المدينة بينما غادرها معظم العائدين قائلين بأنهم سينتظروا حتى يتم ترميم وإصلاح المدينة والتي بدأت على عجل بالفعل الآن. وانتاب بعض العائدين الشعور بالإحباط واليأس أمام مشاهد الدمار الكامل وعبّرت عن ذلك الأرملة رسمية عبود والتي تعيش الآن في مدرسة أولية خارج المدينة بقولها «لقد وجدنا منزلنا مدمراً تماماً وكذلك كل ممتلكاتنا وان ابني الذي كان المعين الوحيد لي بعمله في إصلاح السيارات قد فقد الآن ورشته». ومضت رسمية قائلة «أصبحت الآن بدون مأوى وادعو الله أن يهبني الصبر لتجاوز هذه المحنة والابتلاء». أما عمرو محمد البالغ من العمر ثلاثة وعشرين عاماً والذي كان يأخذ حصته من الطعام في مركز إغاثة في الفلوجة إقامته قوات مشاة البحرية الأمريكية فقد كان يبدو متفائلاً نوعاً ما فإن منزل أسرته لا يزال سليماً إلا من تهشم نوافذه والخراب الذي لحق بأثاثاته على أيدي الجنود أثناء قيامهم بالبحث عن أسلحة حيث طال ذلك التفتيش كل منازل المدينة كما يبدو من العلامات الحمراء الكبيرة الموضحة عليها والتي تفيد بأن المنزل قد جرى تفتيشه دون العثور على أسلحة فيه. وقال عمرو ان منزل الأسرة سيكون بدون شك أفضل لمعيشتهم حتى بدون كهرباء ومياه شرب وبدون مدارس في المدينة.. وأضاف عمرو بأنه سيأخذ حصته الغذائية القليلة إلى عائلته التي تضم ثلاثة عشر طفلاً الموجودة في احد مخيمات اللاجئين واعداً بالعودة بهم إلى المدينة خلال أيام. ويقول مسؤولو اعادة اعمار أمريكيون بأن الحياة في المدينة ستكون مخيفة ومثبطة للهمم طيلة شهور على الأقل. وتصريحات السلطات العسكرية بأن المدينة ستكون خطرة للغاية بالنسبة لمعيشة العوائل بها الآن يترك انطباعا قويا بأن المدينة لن تعود الى حالتها الطبيعية لسنوات طويلة قادمة. وبالرغم من أن مدينة الفلوجة لم تتعرض لقصف كامل لكل شبر فيها كما حدث لمدينة برلين عام 1945 غير ان آثار الدمار الهائل واضحة للغاية بالمدينة نتيجة للقصف من الجو بقنابل ضخمة دقيقة التصويب وقذائف الدبابات التي خلفت حفراً كبيرة في جدران الكثير من المنازل والمحلات التجارية. ويعمل مهندسو انشاءات للبحرية الأمريكية ولقوات مشاة البحرية الأمريكية فضلا عن العديد من الوزارات العراقية الآن في اعادة امدادات المياه والكهرباء والصرف الصحي للمدينة غير أن التقدم في هذا المجال سيكون ابطأ بكثير مما تصوره مسؤولون أمريكيون وما دأبت على قوله السلطات العراقية مؤخراً. وكان أول عمل بعد توقف القتال في المدينة يتمثل في انتشال جثث القتلى من بين الانقاض وعثر جنود مشاة البحرية الأمريكية على اكثر من اربعمائة جثة بين الانقاض حيث تم دفنهم في مقابر جماعية وقال الجنود إن كثيرا من الجثث التي عثروا عليها كانت بدون اوراق ثبوتية وانها كانت لمسلحين غير أن قليلا من السكان العائدين الى المدينة وجدوا جثثا مهترئة لبعض اقربائهم بين الانقاض حيث كان اولئك الاقرباء قد فضلوا البقاء بالمدينة اثناء القتال. وأعيد الآن تنظيف الطرقات الرئيسة بالمدينة غير ان عملية اعادة بناء آلاف المباني والمساكن المدمرة لا تزال في مرحلتها الأولية كما أعطيت أسبقية لتركيب مطخات مياه لحماية المدينة المنخفضة عن مستوى النهر من تعرضها لتهديد فيضان نهري معتاد. وقال اللفتنانت كولونيل اسكوت بالارد من قوات مشاة البحرية الأمريكية انه سيتم اصلاح خطوط المياه الرئيسة بالمدينة خلال أسابيع بينما يتعين اصلاح وترميم مواسير المياه الى المنازل واحدة بعد الأخرى مضيفاً بأن السكان المحليين يحتاجون الآن لجلب المياه من خزانات مياه بلاستيكية في خمسة عشر موقعا بالمدينة بطريقتهم الخاصة عبر استخدام حاويات وقال إن استعادة خدمات الكهرباء ربما يستغرق بضعة أشهر قليلة. وأوضح اسكوت بأنه من المتوقع ان يبقى معظم سكان المدينة خارجها لبعض الوقت. ويبدو مشهد مراكز الاغاثة التي اقامتها قوات مشاة البحرية بالقرب من وسط الفلوجة حميما غير ان مشاعر الخوف تبدو غالبة حيث يتعين على السكان تخطي لفافات ضخمة من الاسلاك الشائكة والمرور بين المدرعات الامريكية للحصول على حصتهم من المساعدات الغذائية ومن مياه الشرب. وقال اللفتنانت كولونيل باتريك ملاي الذي يشرف على العمليات العسكرية في النصف الشمالي من بغداد والذي قاد قتالاً شرساً في تلك المدينة بأن جنوده قتلوا مئات من المسلحين ولكنهم فقدوا ايضاً العديد من الجنود مضيفاً بأنه يشعر بفخر الآن من جنوده الذين تحولوا الآن من القتال الى مساعدة سكان المدينة. وقال الكولونيل ملاي بأن الدمار الهائل كان من الصعب تجنبه لأن المسلحين كانوا يتنقلون من مبنى إلى آخر كما ان بعض المباني كانت مفخخة مما يعني بأنه كان يجب نسف هذه المباني. وأمام خمس مراكز تفتيش حول الفلوجة كان على السكان الراغبين في دخول المدينة ان يبرزوا ما يثبت بأنهم من سكان المدينة ويتم في كثير من الأحوال استجوابهم من قبل حراس عراقيين قبل خضوعهم لتفتيش مكثف عن أسلحة ربما تكون معهم، كما يتم تصوير القليل من المشتبه فيه وأخذ بصماتهم. واعتاد بعض السكان دخول المدينة والخروج منها مرارا مثل سعيد جمالي (36 عاما) الذي يقيم مع اقربائه في بغداد غير انه عرف مؤخراً ان منزله لم يصب بأضرار كبيرة بالرغم من دمار اثاثه وفكر في العودة النهائية مع زوجته للمدينة. وقال سعيد ان من بين المنازل المائتين القريبة لمنزله في حي الأندلس بالمدينة فإن نحو خمسة منازل منها فقط عاد اليها سكانها مضيفا ان ثلث تلك المنازل مدمرة بينما الثلث الآخر محروقة بشكل غامض. ومضى سعيد قائلاً بأنه خلال القتال في المدينة انحى بعض السكان باللائمة على المسلحين لعدم قبولهم ايجاد حل سلمي ولكنه قال بعد الدمار الكبير الذي شاهده الناس الآن داخل مدينتهم فإن الكثيرين منهم تحولوا إلى توجيه اللوم للقوات الأمريكية. «نيويورك تايمز خاص بالرياض»