انتهى العام وتداخلت سنوات ثلاث معاً داخل عام ميلادي واحد، عبر عام كغيره من الأعوام، وتبادل الناس التهاني بكلمات ود مكررة، وشكر تقليدية لم تكسر حاجز الزمن الصعب الذي يحيط بنا. عام انتهى بكارثة تغلبت على كل شيء وحتى الآن لاتزال تواصل اقتناص أي لحظة هادئة لتبددها وتلقي بها إلى غابات الفراغ. عام أقفل راكضاً تاركاً خلفه أسئلة الموت التي لا تتكرر بنفس هذا الزخم دائماً. كلمات حائرة، وزمن تملؤه الحيرة، والوجع من المسافة إلى المسافة. لكن أين نحن من أيامه؟ أين نحن من أسئلة الحياة داخله؟ ولماذا لا نمتلك في الغالب أجوبة لأسئلة ظلت تمارس اصطدامها بكل شيء؟ تحاول ان تفكر بصوت عال.. تجتاز كل لحظات الأسءر مع نفسك ..تحاول أن تجد مدى للحلم الذي غاب طول العام. تحجيم لكمّ الاستحالات التي طالما وجدت نفسك محاصراً بها. عام مضى.. لا تتذكر الكثير من أيامه.. ربما لعاديتها.. ربما لعدم تركها أي بصمة داخلك. ربما لكثرة تراكم الرماد داخل أروقتها.. حتى شعرت أنه يكاد يردم العام كاملاً. ربما لكثرة هدوء بعض الأيام، وتغليفها بفضاء فارغ من كل شيء حتى الحياة نفسها. ربما لحصار تلك الأيام التي لم تكن تشتم داخلها سوى الغبار الذي أصر على المصافحة والبقاء رغم شعورك بالاختناق. عام مضى.. تشعر أنك قادر على المكاشفة مع نفسك. على فتح كشف حساب. على المواجهة.. وارتياد طرقات ان تعرف لماذا؟ وكيف؟ وهل بالامكان أن يتم التغيير؟ عام مضى مارست داخله الضجر.. واستكنت إلى مفرداته.. وغرقت داخل ثكناته. تشعر الآن ان ما جرى من تفاصيل.. وما مررت به من كوارث، نفذ إلى روحك.. واستكان في عروقك. ولكن هل سترضخ بعد هذا الكشف إلى الكتابة.. والحصر، ومزاولة إحساس النفس العميق دون محاولة الخروج إلى المكان الأرحب؟ هل بإمكانك أن تقدم لنفسك.. ما يوازي أساها في العام الحالي من التناغم مع الحياة.. والإحساس بالأمل عندما يهبط؟ أنت بحاجة إلى الأمل.. إلى مزيد من الحياة بتفاصيلها ومعانيها ..إلى مسايرة تلك اللحظات النابضة من الأيام..إلى الاستماع إلى الأصوات الحقيقية التي تكرس الحياة وتمازج الصورة مع الحلم، وليس إلى الصدى الفارغ الذي اعتاد على الضجيج عند مشاهدة الاحتراق بدلاً من ممارسة الهدوء. مرارة المواجهة لا ينبغي أن تكون كارثية وصادمة ودافعة إلى مزيد من الغضب ومعاقبة القادم من أجل ما مضى. لا ينبغي أن تكون الأيام القادمة اسئلة غائبة، أو أجوبة باهتة علينا أن نجعل منها لحظات مألوفة نادرة، مليئة بكل شيء.. فاتحة لدروب ليس هناك مسافة لشيء.. أو ايقاف لفيضان الحياة .. علينا أن نواجه الأيام بألوانها، وبأطيافها بعيداً عن احساس ان الواقع مهما حاولنا التخفيف منه فهو جائر قاس. نعبر إلى العام الجديد بإحساس أن نرمم ما تهدم، وأن نحرض دواخلنا على الإمساك بالحياة فقط وليس غيرها.