تذكرت اليوم وأنا أكتب هذا المقال على شاشة جهاز الكمبيوتر يوم كنت صحفيا في أواخر الستينيات وبداية السبعينيات من القرن الماضي حين كنت اضغط بقوة على لوحة المفاتيح الثقيلة للآلة الكاتبة الضخمة واستخدم سائلا لزجا ابيض اللون لتصحيح الأخطاء المطبعية. وحتى قبل 20 عاما عندما دخلت قلة منا إلى عصر الكمبيوتر لم تجد فيه وسيلة مجدية، رغم أنني لا أدعي الآن فهم أو إتقان كافة تعقيدات الفضاء الالكتروني. من ناحية أخرى، نشأ أولادي في عالم الكتروني جديد وجريء، مما يجعلهم يبادرونني بابتسامة بريئة، فيما آمل، عندما أطلب منهم المساعدة في التنقل عبر مواقع شبكة الإنترنت أو إعداد برنامج سكايب على جهاز الكمبيوتر الخاص بي. في الواقع، أشعر أحيانا أنني أشبه ما أكون بالديناصور. فأنا من الأشخاص الذين يتذكرون عصر كتابة الرسائل بخط اليد وكيف كان يتم حجز المكالمات الهاتفية الدولية عن طريق مأمور الهاتف وعندما كانت البرقيات هي أسرع طريقة لنقل الأخبار العاجلة سواء الجيدة أو السيئة. وحتى في ذلك الحين كان العالم يبدو وكأنه يتحرك بسرعة فائقة مقارنة، على سبيل المثال، بالرسائل التي كان الأوروبيون يرسلونها إلى أوطانهم بعد وصولهم إلى الصين في القرن السادس عشر والتي كان يستغرق وصولها إلى بلدانهم عدة سنوات، أو أنها كانت تختفي إلى الأبد، لاسيما عندما تواجه السفن التي تنقل هذه الرسائل مصيرها المحتوم في حال تعرضها إلى عاصفة هوجاء في عرض البحر. والأمر الأدهى من ذلك، هو أن تصل هذه الرسائل إلى أصحابها لكن بعد وفاة الأشخاص المرسلة إليهم. أعتقد أن عصر المعلومات الجديد الذي نعيش فيه هو أمر يحبذه جميع الناس بوجه عام، على الرغم من المخاطر الواضحة التي ينطوي عليها، مثل استغلال شبكة الانترنت من قبل المجرمين والإرهابيين لأغراض شريرة وارتكاب أعمال خطيرة. انه لشيء رائع حقا أن يتمكن المرء من التواصل بسرعة مع عائلته وأصدقائه أينما كانوا في العالم. وإنه لأمر جيد أن يطلع المرء وبسرعة على الكم الهائل من المعلومات بشأن ما يدور في بقاع من العالم، فضلا عن التعلم من تجارب الآخرين وما يفعلونه لتحقيق طموحاتهم. وإذا فهمنا الأمر على حقيقته، فان العصر الجديد يوفر فرصا هائلة سواء للأفراد من اجل الاستفادة من كامل طاقاتهم الكامنة أو للشعوب بهدف التوصل إلى فهم أعمق لثقافاتهم المتباينة. توفر التكنولوجيا الجديدة الفرص لإحداث تقارب اكبر بين أناس تجمعهم رؤى مشتركة ما كان لهم أن يلتقوا أبدا لولا هذه التكنولوجيا. بيد أن ثمة مخاطر بالتأكيد. إن ما يقلقني على سبيل المثال هو التركيز المبالغ فيه على التوافر السريع للمعلومات، بدلا من التركيز على اكتساب المعرفة الشخصية. علاوة على ذلك، كما هو الحال مع كل تقدم في العلوم الإنسانية، سوف يكون هناك بعض الأشخاص الذين يسعون لاستغلال التكنولوجيا الجديدة التي بدأنا جميعا في استكشافها من أجل تحقيق مكاسب خاصة بهم مثل الاستغلال والفساد أو سرقة البيانات المالية والمعلومات الشخصية أو الأسرار الحكومية. لهذا السبب، أطلقت حكومة بلادي في الأسبوع الماضي إستراتيجية جديدة لحماية أمن الفضاء الالكتروني باعتبارها واحدة من أولويات الأمن القومي البريطاني ضمانا لحماية الجمهور البريطاني من مخاطر الخروقات الأمنية وحرصا في الوقت ذاته على تعزيز استخدام الفضاء الالكتروني لما فيه التقدم والازدهار. ولنفس السبب أيضا، عقدنا هذا الشهر مؤتمرا دوليا حول الفضاء الالكتروني في لندن بمناسبة بدء حوار دولي لبناء بيئة رقمية عالمية تكون آمنة ومرنة وموثوقة. لا يمكن لأي بلد بمفرده أن يراقب أو ينظم تدفق الكم الهائل من المعلومات التي تتم على شبكة الإنترنت في جميع أنحاء العالم. ولكن من خلال العمل معا على مستوى البلدان والشركات والأفراد سيكون بوسعنا حماية الفضاء الالكتروني والحفاظ على الفرص المفيدة التي توفرها لنا شبكة الانترنت. كان من دواعي سروري أن رأيت بين البلدان التي حضرت مؤتمر لندن وفدا من المملكة العربية السعودية يأخذ مكانه بين الشركات العالمية الرائدة في مجال الإعلام وتكنولوجيا المعلومات ويساهم في النقاش حول الاستخدامات المستقبلية للتكنولوجيا ودورها في مجتمعاتنا. انه حقا هذا النوع من النقاش الذي يترك أثره الكبير في "الديناصورات" وفي رواد التكنولوجيا الحديثة على حد سواء. وعلى خلفية هذه المقالة، هل تعتقدون أن جيلنا قد بات مهددا بالانقراض في عصر الفضاء الالكتروني، كما انقرضت الديناصورات من قبل، وأصبح من الضروري حمايتنا من الزوال ؟ * السفير البريطاني