رغم الحزن الذي يلفه جراء فقدانه لأعز اثنين عليه وهما شريكة حياته " أم بدر " التي غادرت الحياة قبل أيام من وفاة اخية الشاعر محمد، إلا أن الشاعر والفنان الشعبي عبدالله بن سعد الجنوبي لم يتردد في الالتقاء ب " مساحة زمنية " لإجراء هذا الحوار ونقل هذه المرحلة في حياته الشعرية والفنية التي تمثل رصداً لحقبة زمنية "هامة" في صفحات الفن الشعبي، الجنوبي يمثل أحد أعمدة الفن الشعبي في تلك الفترة التي تمثل المرحلة الذهبية والأبرز لهذا الفن، الجنوبي ولد في الاحساء عام (1365 ه)، ويكبره شقيقه محمد بنحو 5 سنوات، بدأ الشعر قبل الفن حيث زاول كتابة الشعر وهو في سن مبكرة"18عاماً "، يقول ان اول قصيدة كتبها كانت عن حالة حب عاشها، يقول : وفي إحدى الليالي وعندما كانت لا أزال طالباً أدرس في الصف السادس الابتدائي، وقد لاحظ علي والدي انشغالي عن التعليم، فعزم على ضربي ليمنعني من ذلك، فكتب أول قصيدة.. ياعذلوني على اللي بهتويها وانا ما اسمع كلام العاذليني مادام القلب هو اللي يبيها كيف بسلا وانا قلبي حزيني. وعلى الفور قمت بتسجيل هذه الأبيات في شريط كان عندي ، وهكذا كنت اسمع قصائد أخي محمد " رحمه الله "، واستمريت في كتابة الشعر . وأود أن أشير إلى أن جميع أفراد أسرتي يكتبون الشعر بدءاً من أخي محمد وأنا وبقية أخواني خالد وغيرهم . بعدها جاء عيسى وطلب مني أغنية(يا ناس شلحيلة في نومت الليلة)،ثم غنى لي " أنا الجاني على نفسي وإلا شجابني الدمام "ثم(صابني ياهلي)، وقد غنى عيسى الاحسائي لي من قصائدي نحو 10 اسطوانات، أما الأغاني التي سجلها عيسى في الأشرطة من كلماتي فعددها كبير جداً ولا أحفظ كم هي . هكذا تعلمت العود: يشير الفنان عبدالله الجنوبي إلى أن فناناً يدعى أحمد بن ابراهيم الرشيد وكان يسكن في "حي النعاثل " وهو الحي الذي يقطنه، كان له الفضل في تعليمه على آلة العود، وعن هذا يقول الجنوبي: عندما رآني أحمد محبا لآلة العود *عبدالله الجنوبي-(1431ه) شجعني، وأعطاني عوداً من الخشب مربع الشكل صنعه بنفسه، وهكذا بدأت أتعلم عليه، حتى اشتريت من خليفة العبندي بعدها أول عود ب( 170 ريالاً)، وقام بتوليفه الفنان مطلق دخيل ثم سكب مطلق على أصابع العود الشاي لكي لا تنفك الأوتار ! ويضيف عبدالله: استطعت تعلم العزف في غضون شهر تقريباً وهو زمن قياسي أدهش الفنان مطلق دخيل، وكافأني خليفة العبندي بأن سجل لي في أول جلسة "رغم أن عزفي كان متواضعاً جداً آنذاك " وكانت تلك الجلسة تجمع عيسى الاحسائي ومطلق دخيل وعيد بو سيف وكان ذلك في منزل صالح المحسن وهكذا استمرت. عيس وعلاقة الطفولة ! بدأت علاقتي بعيسى الاحسائي منذ الطفولة، فكنت دائماً ما اذهب إلى الأماكن التي كان يعزف فيها عيسى كوني أحب سماع الأغاني ، ثم بعدها بدأت أذهب معه إلى حفلات الأعراس كعازف على الإيقاع وكان يعطيني(10-15ريالاً) ثم دخلت إلى مجال الغناء قبل أن أتعلم العزف حيث كان عيسى يعزف لي وأنا أغني وسجلنا بهذه الطريقة عدة اسطوانات كما عزف لي مطلق دخيل وأحمد الرشيد. ويضيف الجنوبي: علاقتي بعيسى كانت رائعة، فكان يأخذ قصائدي ويغنيها حتى بدون استئذان ، فهو بمثابة أخ و كان إنساناً بمعنى الكلمة عشت معه أجمل سنوات عمري وهو متميز بالذكاء والحفظ من الطراز الأول بحيث يحفظ قصيدة مكونة من(24)بيتاً بعد سماعها لمرة واحدة ومن المواقف اللطيفة أن أصحاب التسجيلات والأعراس كانوا يعطون عيسى(100ريال) ليأتي بي لأغني عندهم قبل أن أتعلم العزف على العود، وهذا ما كان سبب عدم مساعدة عيسى لي في تعلم العزف على العود كونه كان مستفيداً من مبلغ السمسرة( ثم يضحك ). وكشف عبدالله الجنوبي عن أنه وعيسى الاحسائي كانوا قد سعوا لإنشاء *عبدالله الجنوبي(1383ه) جمعية للثقافة والفنون في الاحساء، وبعد إنشائها كنا نريد أن تكون الجمعية المكان الذي يحتضنا ويحتضن الفن الشعبي، إلا أن الإدارة لم تحقق لنا رغبتنا فانسحبنا منها ولم يعد لنا تواصل معها من ذلك الوقت . انطلاقة بشير التقيت بشير " رحمه الله " أول مرة في منزلهم في مدينة الرياض، فقد كنت في زيارة لهم بحكم قرابة النسب بيننا وبحكم معرفتي بشقيقه عبدالله الذي كان يعمل معلماً، وبعد أن طرقت الباب قامت والدته"رحمها الله "وأذنت لي بالدخول ، فدخلت إلى المجلس فشاهدت آلة العود ، فسألت لمن فقالوا لي لبشير الذي لم أكن أعرفه ولم ألتقيه من قبل، وبعد لحظات جاء بشير فأنزل العود وبدأ يعزف فأعجبني عزفه وصوته فسألته ( وكان حينها لم يسجل أي أغنية أو حتى يعرف على الإطلاق) لماذا لم تسجل، فقال لي ذهبت للتسجيل لكنهم طلبوا مني مبلغاً من المال وأنا لا أملكه، فاصطحبته حينها إلى ابراهيم العجيان صاحب تسجيلات التلفون فطلبت منه أن يسجل لبشير فرد علي أنا لا أريد أن أخسر قيمة الاسطوانات وعليه أن يدفع تكاليفها، فرددت عليه سجل وعلى ضمانتي فصوته جميل وريشته مميزة! وبالفعل سجل بشير أغنية(يا بو حمد) فنجحت الأغنية وهكذا استمر بشير . وينفي عبدالله الجنوبي صحة ما ردده البعض من أنهم هم من أخذوا بيد بشير شنان لعالم الفن. *بشير شنان بدايت التسعينات الهجرية ويضيف عبدالله : أنا أخذت بيد الكثير من الفنانين الناشئين لطريق الفن وليس فقط بشير، وأود هنا أن أوضح أنني واجهت في بداية تعلمي للعود تهرب وعزوف كل أصحابي عن تعليمي للعود حتى المقربين مني وكان بعضهم يطلب مني فلوساً لكي يعلمني العود لذا أحببت أن لا أقف نفس المواقف في وجه الناشئين.