لم أكتب مقالتي هذه لإثارة مشاعر الحزن لديك - أخي القارئ - أبداً، إنما اخترتها من بين جميع ذكرياتي التي تعصف بذاكرتي بين حين وآخر لأجل هدف أفضل أن تقرأه ما بين السطور، استعمل التخمين والحدس، لتضيف أفكاراً لم أكتبها أنا، بل كتبها استنتاجك الذكي! من هنا بدأت القصة، عندما كنت على وشك أن أرسل لجدي رسالة نصية! فأخذت أحادث نفسي «ماذا حل بي؟ أيعقل أن أنسى أن شريحة الهاتف هذه لم يعد لها وجود الآن؟ أنسيت أن صاحبها ذهب لربه الحنان المنان؟ هل لا أزال موقنة أنه سيأتيني رد في الحال؟» في داخلي حرقة وحيرة، ولا أزال ألوم نفسي كيف لم أره ما كتبت لأجله، قبل أن تأتيه المنية! جلست أقلب صفحات ذاكرتي بشرود عجيب، كيف، ولم، وأين، ومتى، ولماذا؟ تزاحم كل ذلك في رأسي أنا، فأقسمت ألا أنام إلا برأس خال من الأفكار والهواجس المزعجة المبكية. وبعد تفكير مطول أيقنت أن ذهاب الروح إلى بارئها فيها خير، خير كثير، ولو أن الدنيا أرفق بحاله لما ذهب إلى ربه، وكتبت له ذاك المساء، وليتني أجلت أمر الكتابة إلى حين آخر، كي لا أغرق ورقتي بذلك الماء المالح المتدفق من عيني. لكنها ساعدتني إلى حد ما في أن أتفوق على كمدي، وجعلتني أفكر بمنطقية أكثر. رائعة هي الكتابات التي تخفف عنا همومنا، حنونة هي كالأم حينما تأبى رؤية صغارها بهذا الشكل حزانى حائرين. ربي بقدر ما في هذه الدنيا من أرواح مشتاقة لمن هم في ضيافتك وكرمك، ارحمه فإنه وإن رحل، فرقمه ورسمه وكل توصياته لم ترحل، بقيت منقوشة في قلبي قبل ذاكرتي وعقلي. يمتطي الحنين ظهري كلما رأيت صورته المعلقة في منزلنا تشعرني وكأن الحنين طن حديد فهو بثقله يهز مشاعر وأحاسيس بداخلي تتوهج! ربي أنت أعلم ما بقلبي من شوق لرؤيته وتقبيل رأسه والمزاح والضحك ومناقشة كتاباتي معه فلا تحرمني رؤيته في فردوسك وأنت أكرم الأكرمين! حبيبي يا جدي: إن هم نسوك فلن أنساك أبداً، وإن بخلوا في دعواتهم فلن أبخل، اللهم نوّر على قبره وآنسه في وحدته واعف عنه وأكرم نزله وأجعل قبره روضة من رياض الجنة (آمين).