(مهنا) الذي يجلس مع كبار السن في الحارة في أوقات الضحى يستلّذ بالشمس الدافئة في فصل الشتاء، يحتسي القهوة والشاي, وغالباً ما يسكب لهم ويغسل فناجينهم في إناء من النايلون ذي اللون الأخضر، السبب أنه الأصغر عمراً منهم. لا يأبه من ذلك بل يستفيد من هذا المجلس بالعديد من النصح و(علوم الرجال). والد(مهنا) يحث ابنه على الزواج من ابنة خاله في قرية بعدة عن المدينة، قال في حضور زوجته أم مهنا:"تعال ياولدي- أكتب خط- لخالك نبي نطلب بنته لك"، كتب مهنا الرسالة وهو في غمرة الفرحة، يسرح كثيراً متى يأتي الرّد من خالي، لاسيما وان البلدة تعتبر بعيدة في ذلك الوقت نظراً لتعرج الطريق البري وقلة التنقلات. أتت الرسالة(الخط) من خال مهنا بالموافقة، ليرحل هو ووالده وأعمامه وأولادهم عزوة له أمام خاله, يطلبها رسمياً ليتفقا على كافة بنود الزواج. مهنا ذو السبعة عشر عاماً يعمل في بيع الخضار ب(المقيبرة) منّذ الفجر ويعود إلى البيت صباحاً، اهتم كثيراً وينتظر يوم الزواج الذي لا يعلم عن تفاصيله شيئاً. يتزوج(مهنا)من نورة التي تصغره بسنتين, في صباح ليلة الزواج هي من تقوم لتطبخ و(تنفخ)وتهيأ لبيت عمتها، في كل صباح حيث توقّد النار على القهوة وتحضر الفطور الذي تصنعه من الفول والخضار في كل فجر ، ثم ما يلبث أن يأتي زوجها ووالده من العمل إلا وتقدم لهما الغداء فيخلّد زوجها إلى النوم(يَقيَلَ). الزواج في تلك الأيام يأتي على الفطرة الاختيار بشكل عام يكون مناسباً نظراً للتربية السليمة وحكم العادات والتقاليد. تفاجأ مهنا بمرض زوجته نورة, يأخذها إلى المستشفى(الصحية) فيكتشف الدكتور أن الزايدة متورمة, لذا كان يجب استئصالها فوراً, تجرى العملية, وبعد أيام تخرج من المستشفى(الحكومي).! يفرح الأهل ويولمون العزائم فرحين بسلامتها من العملية, يقول مهنا لزوجته الصغيرة:(والله أن حالي أنسلت بعد مرضك يانورة), ترّد عليه:(بسم الله عليك – فيني ولا فيك). بعد أشهر يعود المرض على نورة الضعيفة جسماً فتسقط من جديد وبنفس الأعراض، فيأخذها إلى المستشفى، ليكشف عليها نفس الدكتور السابق – الذي لم يتعرف عليها بأنها قد زارته سابقاً- ويُقِر أن أعراضها هي أعراض تورم الزايدة فيجب استئصالها فوراً.! مهنا وجماعته لا يعلمون عن الطب شيئاً لذا لم يعارضوا الدكتور على تقريره، فتدخل إلى غرفة العمليات ويفتح بطنها من جديد رغم علامات العملية السابقة إلا أن الدكتور تجاهلها لتنزف بشكل مثير وتتوفى وهي في غرفة العمليات. الجميع استكان إلى قضاء الله وقدره ولم يعلموا أن الدكتور قد قضى على حياتها وأن المستشفى هو المسؤول عن عبث هذا الدكتور(الأجنبي). حالة(نورة)التي أجريت لها عمليتان في الزايدة تتكرر إلى وقتنا الحالي في مستشفيات أهلية وحتى حكومية، والله المستعان.