من يتأمل خطوات التاريخ العربي لابد أن يلحظ اختلافات كثيرة عن شعوب العالم.. هذه الاختلافات هي التي جعلت أحد زعماء التأسيس الإسرائيلي يقول بأن العرب لا يعودون إلى تاريخهم الماضي بما يفيدهم من معلومات.. هذا بالتأكيد يقوله أكثر من واحد، وفي أكثر من شعب، مادام لديه اطلاع على التاريخ العربي.. نحن الآن في حاضر يسمى «الربيع العربي» ما هي مبررات أن يكون ربيعاً؟.. مادمنا نشهد قسوة ما يحدث في بعض دول هذا الربيع.. أقصد في بعض مجتمعاته.. هل يعني هذا أن القسوة مقبولة مادامت ستكون منطلقاً لهذا الربيع المؤقت كي يكون ربيعاً دائماً؟.. أشك في ذلك.. لأن تاريخ المجتمعات العربية وعلى مدى قرنين مر بتحركات تغيير كثيرة.. مر بمواسم قسوة حين تأخذ اسم الربيع آنذاك فإن رؤية الناس لها أعطتها هذه الصفة.. لكن ماذا حدث فيما بعد؟.. ليس بعد رئيس واحد.. ليكن عبدالكريم قاسم، أو عبدالناصر، أو حافظ الأسد، أو أبورقيبة، أو السلال.. ولكن في تعاقب السنين.. ارتفع عن المئتي عام.. خذ العصر العثماني كامتداد إسلامي ثم العصر العباسي الذي أسقطه التآمر الفارسي ثم العصر الأموي.. الحياة الاجتماعية متوائمة مع الحياة المناخية.. فالربيع ليس هو ما يدوم؛ وإن كانت بداية العصر العباسي مناسبات مجازر لا تقرها أي ديانة فأصبحت صيفاً قاسي الأحداث وأمطار الدماء.. أمس كتبت عن تحولات الحياة الغربية.. كيف من تلك الحروب الطويلة ومن ذلك الخروج الإنساني البشع في التعامل مع «الرق» أي «العبيد» عندما كانوا يشحونهم ببواخر.. كيف من كل ذلك تحوّلوا إلى حياة اجتماعية ترعى الفرد وتوفر أسباب المعيشة وتعدّد فرص العمل، وأهم من كل ذلك سيادة قانون ينصر النيجيري الهارب أو الصومالي متى كان مظلوماً من قبل مواطن انجليزي.. هنا ربيع دائم.. وفي المناخ السنوي أكثرية ربيع دائم يعقبه شتاء.. عالمنا العربي.. حين يمر به ربيع فإن مَنْ هم يطلون عليه من سطوح وجودهم بما في ذلك مَنْ هم أقلية عربية واعية.. يدركون أن الربيع اجتماعياً ليس إلا فصلاً مناخياً سوف يعقبه صيف قاسي الامتداد والتأثير.. نحن في بلادنا وعلى مدى المئة عام الماضية.. التي تعاقبت فيها في العالم العربي مختلف الفصول السياسية ومختلف صراعات الوصول إلى السلطة ومبررات الاقتتال.. عشنا أمن التعاون والوفاء وعرفنا الصيف مجرد حضور مناخي..