مشروع الجسر البري الذي يربط ميناء جده الإسلامي بمينائي الدمام والجبيل عبر الشبكة الحالية القائمة بين الرياضوالدمام الذي أعلن عنه منذ نحو عشر سنوات ، ضمن المشروعات التي يستهدفها برنامج توسعة شبكة الخطوط الحديدية في المملكة ، عاد مرة أخرى إلى واجهة المشروعات التنموية الكبرى التي طال انتظار تنفيذها لعدة سنوات ، بعد المصاعب التمويلية التي نشرت وسائل الإعلام أنها واجهت الائتلافات التي تقدمت للمشروع منذ نحو أربع سنوات بسبب الأزمة الاقتصادية العالمية في عام 2008 م ، وذلك حين أوضحت تلك الائتلافات عن عجزها في تمويل أعمال التنفيذ في ظل إحجام البنوك عن إسهامها في ذلك ، بالرغم من انخفاض التكاليف التقديرية للمشروع حينذاك التي ذكر أنها تبلغ حوالي ستة وعشرين مليار ريال ، مقارنة بالتكاليف التقديرية الحالية التي يتوقع أن تتجاوز الخمسين مليار ريال ، فقد أدت تلك الظروف إلى حدوث تحول جذري للمشروع تمثل في إقرار مجلس الوزراء الأسبوع الماضي لعدد من الإجراءات التي من بينها أن يكون تنفيذ المشروع بالطريقة نفسها التي ينفذ بها مشروع الشمال - الجنوب وقطار الحرمين الشريفين ، على أن يتولى صندوق الاستثمارات العامة تمويل البنية التحتية للمشروع، وأن يطرح تشغيل المشروع للمنافسة ، ما يفسر على أن صندوق الاستثمارت العامة سيتولى مسؤولية وإدارة تمويل المشروع بشكل كامل من خلال الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار) بدلاً من القطاع الخاص ، وترسية المشروع على أساس عقد القيام بالأعمال الهندسية والتوريد والإنشاء (EPC) ، بدلاً من عقد البناء والتشغيل ثم التحويل (BOT) . إن برنامج توسعة شبكة الخطوط الحديدية في المملكة يشمل حالياً ثلاثة مشروعات ستضيف نحو 3900 كم من الخطوط الحديدية للشبكة القائمة ، هي خط الشمال - الجنوب الذي يربط مواقع التعدين في شمال المملكة بالرياض مروراً بمناطق الجوف وحائل والقصيم ، وقد تم الترخيص بتأسيس شركة مستقلة في عام 2006 م هي الشركة السعودية للخطوط الحديدية (سار) لتتولى إنشاء هذا الخط ، ومشروع قطار الحرمين الذي يموله صندوق الاستثمارات العامة ، وقد بدأ العمل فيه في عام 2009م ليربط مكةالمكرمةوجدة والمدينة المنورة بخدمات قطارات الركاب السريعة ، أما المشروع الثالث فهو الجسر البري مدار الحديث الذي يربط الدمام بمدينة جدة مروراً بالرياض ، الذي صدرت موافقة مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة الأسبوع الماضي على الإجراءات المتعلقة بتنفيذه. إن الجميع يتفق على العوائد الإيجابية العديدة من الناحيتين الاجتماعية والاقتصادية التي سيحققها هذا المشروع والمشروعات الأخرى في منظومة برنامج التوسعة المستقبلية لشبكة الخطوط الحديدية في المملكة ، فاحتياجات التنمية الوطنية بصورة شاملة وبالذات للمناطق الثلاث التي سيربط فيما بينها هذا الخط واضحة وملحة ، فهو سيعمل على تيسير الانتقال براً لنحو 70 % من سكان المملكة الذين يقطنون في تلك المناطق الثلاث ، وكذلك في حركة نقل البضائع بين محور اقتصادي مهم يربط بين منفذين بحريين أساسيين للمملكة على البحر الأحمر والخليج العربي ، لكن ما يلفت النظر من خلال الاطلاع على البيانات المنشورة المتعلقة بالرحلات عبر وسائل النقل البري في المملكة حالياً والمتوقعة مستقبلياً بعد بدء تشغيل التوسعة في خطوط الشبكة الحديدية ، هو أن الرحلات البرية في الوقت الحاضر تربو على الثلاثمائة مليون رحلة ، يطغى عدد رحلات المركبات الخاصة على النسبة الأعلى منها حيث تبلغ نحو 89 % ، بينما رحلات الحافلات هي الأقل ، وتصل نسبتها إلى 4.5 % ، أما رحلات القطارات فنسبتها منخفضة كذلك وتبلغ 6.4 % .. ما يبعث على التساؤل هو ما تشير له خطة التنمية الحالية بأن تلك النسب يتوقع لها مستقبلاً ألا تتغير كثيراً إلا بمعدلات ضئيلة ، بالرغم من تلك التوسعة الضخمة في شبكة الخطوط الحديدية التي سينفق عليها مليارات الريالات ، فعدد الركاب المتوقع نقلهم في السنة الأولى لتشغيل خط الجسر البري على سبيل المثال يربو قليلاً على المائة ألف راكب وفق توقعات خطة التنمية التاسعة ، أما بالنسبة للبضائع التي يتوقع أن تنقل عبر هذا الخط فقد تتجاوز بقليل الخمسمائة ألف طن ، وستكون الزيادة المتوقعة سنوية لكل من الركاب والبضائع بمعدلات منخفضة كذلك ستجعل هذا الخط حتى عام 2020 م قد لا يتجاوز عدد الركاب الذين سينتقلون عبر رحلاته المائتي ألف راكب ، وحجم البضائع لا يزيد على التسعمائة ألف طن ، بينما الشبكة الحالية القائمة رغم تواضع مساهمتها ، تنقل سنوياً ما يربو على 1.3 مليون راكب ، وحجم البضائع ما يزيد على ثلاثة ملايين طن ، فهل تكون طموحاتنا في هذا المشروع تبدو على نحو أكبر بكثير مما تتوقعه وترسمه خططنا؟