قبل عام تقريبا (وتحديدا في أكتوبر الماضي) كتبت سلسلة مقالات عن كيفية كتابة المقالات ذاتها.. وكان من سعادتي بعد ظهورها في الموقع الإلكتروني للصحيفة انتشارها في أكثر من 94 ألف موقع ومنتدى ونتيجة (حسب إفادة الشيخ جوجل).. وقبل أيام ذكرني بها أحد الزملاء الكتاب واقترح كتابة نصائح صغيرة بذات المعنى ترسل للمشتركين في جوال حول العالم.. ولأن الفكرة راقت لي، ولأن قراء الصحيفة أكثر من المشتركين في الخدمة الإلكترونية، قررت نشرها أولا في الصحيفة قبل بثها عبر جوال الزاوية. وحين بدأت كتابتها من وحي التجربة لم أقرر عددها أو طولها أو على كم جزء ستظهر.. وبعد الانتهاء منها فوجئت بتجاوزها السبعين فقررت اختصارها إلى أربعين فقط تظهر على جزئين (الجزء الأول يتضمن النصائح المعنوية والأخلاقية، والثاني النصائح العملية والتقنية).. ودعونا اليوم نبدأ بالقسم الأول منها: فقوة مقالك تعتمد على قوة فكرتك وأهمية موضوعك لدرجة يصبح الباقي مجرد ديكور (وضعف الفكرة هو ما يجعل أكثر الكتاب بلاغة يخرجون بمقالات تافهة).. وقبل أن تسأل كيف أكتب؟ يجب أن تسأل نفسك: ماذا أملك لأكتبه وأقوله وأخبر الناس حوله وأضيع وقتهم من أجله! وفي حال لم تملك من الخبرة والتجربة ما يكفي لكتابة مقال قوي وعميق ومؤثر، فعليك إثراء موضوعك بالبحث عن المعلومات والمصادر والآراء المساندة.. وتذكر أنه مهما تطورت وتغيرت وسائل الإعلام (ومهما تطورت مهارتك في التعامل معها) يظل المقال هو الأصل لكونه إبداعا إنسانيا لا يمكن لأي كمبيوتر أو آلة خلقه من العدم. والمقالات عموما تأتي بثلاثة مستويات من الجودة: تافهة، ومفيدة، وثالثة تغير العقول وتشكل الآراء.. ومن المهم هنا أن تتحاشى الأولى، وتلتزم بالثانية، وتحاول الارتفاع لمستوى الثالثة! ومن المهم أن تبرز رأيك وشخصيتك وموقفك بقوة ثم امزج الجميع بأسلوبك الخاص.. فبدون هذا ستكون مجرد بوق وناقل معلومات لا يختلف عن وكالات الأنباء! ولا تحاول تقليد احد وحاول ابتكار أسلوبك المميز.. وإن لم تعرف كيف، اكتب فقط على سجيتك (فالقراء لا يتهاونون بالمقلدين فقط؛ بل ولا يقرؤون لهم أيضا)! ولاحظ أن المقال إما شخصي بحت (يعتمد على خبرة و تجربة الكاتب)، أو موضوعي معلوماتي (يعتمد على المصادر الخارجية).. وأفضل المقالات هي التي تمزج بين الإثنين بتناغم مقبول! ولاحظ أيضا أن المراجع والمصادر والأرقام تمنح مقالك قوة ومصداقية كبيرة.. وفي المقابل يتسبب الحشو، وعدم الدقة، وتصنع البلاغة خسارتك للقارئ. وضح هدفك منذ البداية وقدم إجاباتك بسرعة ولا تترك القارئ تائهاً أو حائراً بحجة الغموض والتشويق (فبهذه الطريقة لن يكمل معك نصف المقال)! الكاتب بمثابة معلم في أكبر فصل دراسي يمكن تصوره، والطلاب يريدون التأكد بسرعة من أنه خبير في مجاله ومتمكن من مادته وواثق من نفسه! من الحقائق المرة ان الكاتب المسالم والمتصالح مع نفسه ومجتمعه كاتب ممل لا يثير الانتباه كونه ببساطة يساير الموجود ويتحدث بما يعرفه ويتوافق عليه القراء. اجعل لمقالك قيمه ومعنى من خلال تضمينه معاني راقية ورسالة هادفة (واسأل نفسك كم شخصا أو موقعا إلكترونيا سينسخ مقالي اليوم؟). سمعة الكاتب تتحول بسرعة إلى "ماركة تجارية" والقراء "زبائن" لا يجربون الماركة السيئة أكثر من مرة. ولأن سمعتك هي أغلى ما تملك ليس من مصلحتك أن تكذب أو تنحاز أو تبالغ أو تسرق من أفكار الآخرين؛ لأن هذا لا يسيء لسمعتك فقط بل ويفقدك القارئ للأبد. وفي المقابل ارتفع فوق الترهات، ولا تنحاز لأي طرف، ولا تترك عواطفك تتغلب على حياديتك وحكمك المجرد. وهناك فرق بين النقد والتجريح.. بين مهاجمة الكاتب وتفنيد رأيه بأدب ومنهجية عالية.. لهذا السبب تحاشى دائما التجريح الشخصي واعتمد طريقة المصطفى صلى الله عليه وسلم (ما بال أقوام يفعلون كذا وكذا)! استعمل قدر الإمكان كلمات معروفة لجمهورك ومناسبة لكافة مستوياتهم التعليمية، وفي حال اضطررت لاستعمال كلمات أجنبية او مصطلحات علمية اشرحها بين قوسين.. وللحديث بقية..