لا يبدو بأن تهديد لبنان بعقوبات دولية في حال تخلّفه عن الإلتزام بوعده دفع حصته في تمويل المحكمة الدولية والبالغة زهاء 32 مليون دولار أميركي قد وجد صداه عند المكوّن الرئيسي للأكثرية الجديدة أي «حزب الله» وحلفائه ومن اشدّهم حماسة وتعبيرا عن رفض صيغة التمويل العماد ميشال عون رئيس التيار الوطني الحرّ. ولم تسفر المحاولات الغربية عبر القنوات الدبلوماسية من إقناع من يعارضون المحكمة بأنها « ماشية» معهم أو من دونهم لأن لها مسلكها المستقل، ولم تنجح سبل الترغيب والتهديد من أن الاستقرار ضروري للبلد وأنه من الأفضل ل»حزب الله» توخي الحذر في ظلّ ما يحدث في الداخل السوري ما سينعكس على موازين القوى في المنطقة وقد يفقد الحزب مظلته الإقليمية ورئته السياسية وغير السياسية. وقد كثرت تسريبات هذه المعارضة في الآونة الأخيرة بأن تمويل المحكمة أمر مرفوض كليا. الواقع أن «حزب الله» سيجد حرجا في القبول في تمويل المحكمة بعد أن وصفها يوما بأنها « إسرائيلية».كذلك فإن قبوله بتمرير التمويل تمريرا لمرحلة حرجة قد تؤدي بخصومه الى مساءلته في المستقبل عن سبب عدم قبوله بأحكام المحكمة إن كان قبل بتمويلها في الحكومة وهو جزء أساسي فيها؟ هذه الأفكار وسواها تدارسها «حزب الله» وحلفاؤه مطولا، ووصلت الى رئيس الحكومة نجيب ميقاتي الذي لم يتوقف في الآونة الأخيرة عن تقديم الوعود من أعلى المنابر الدولية أي من الأممالمتحدة حيث ترأس مجلس الأمن الدولي في شهر سبتمبر الماضي من أن لبنان ملتزم الإيفاء بالتزاماته الدولية وأبرزها القرارين 1701 و1757. وبدا لافتا في الآونة الأخيرة خروج مجموعة من المحللين المقربين من الرئيس ميقاتي بآراء تشير الى نيته الإستقالة في حال جوبهت حكومته بتعطيل قرار تمويل المحكمة الخاصة بلبنان. ترافق ذلك مع أنباء أشارت أنه لوّح بالإستقالة مجددا الأسبوع الفائت حين طرح القرار الغربي ضد سوريا على التصويت في مجلس الأمن إذ آثر ميقاتي الامتناع عن التصويت وليس رفضه كما كان يتوخى البعض.علما بأن ما حدث يعتبر «القطوع الثالث» بعد نأي لبنان بنفسه عن التصويت على بيان رئاسي بالمعنى نفسه يندد باستخدام السلطات السورية للقوة في قمع المتظاهرين وكان لبنان عند توليه رئاسة مجلس الأمن مطلع عام 2010 ثم تحوله الى عضو غير دائم بين الدول ال15 ممثلا للمجموعتين الآسيوية والعربية قد امتنع العام الفائت من التصويت على رزمة العقوبات ضد إيران التي أقرها المجلس في القرار الرقم 1929. هذه المؤشرات «الميقاتية» الملوحة بالاستقالة من الحكومة يبدو بأن لها أساساتها الحقيقية إذ قد يعمد ميقاتي الى تقديم استقالته من الحكومة في حال رفض «حزب الله» وحلفاؤه التمويل، فتتحول الحكومة الى حكومة تصريف أعمال لا تجتمع لتقع في حرج اتخاذ قرارات صعبة، فيكون ميقاتي بذلك قد ربح الحكم في حكومة سيمتد أجلها لفترة طويلة من دون أن يخسر شرعيته الدولية وشعبيته السنية التي تطالبه يوميا بالمحكمة الدولية. هذا السيناريو صالح لغاية اليوم في لبنان أما تأكيده فصار وشيكا بعد طرح موضوع الموازنة على جلسات مجلس الوزراء قريبا.