حين تزوجها شعر بأنه يملك روحها وعقلها وجسدها، فلا بأس من الفضول إذاً، والتنقيب عن تفصيلات الماضي، الخيال الخصب، وربما تجربته الخاصة توحي له بأن ثمّ أسراراً مكتومة (وبعض السر لا يسر).. هي طوع يمينك، وبين يديك، بمقدورك أن تدرك قدر إخلاصها لك، واستعدادها للتضحية من أجلك، فَلِم العيش في دهاليز الماضي ومنحنياته، ولِم تتحول علاقة الحب والصفاء إلى جلسات استجواب ومحاكمة وشكوك؟ أنت بحاجة إلى أن تنتقل من الماضي إلى المستقبل، وحين تسكن بيتك الجديد فماذا ستحمل معك من المنزل القديم؟ ستحمل أشياءك الجميلة، وتحفك الثمينة، وكل ما خفّ حمله وغلا ثمنه.. أما الأثاث البالي فلن تسمح أن يشوّه الصورة الجديدة التي يظهر مسكنك أمام أسرتك وأضيافك بها! تفاءل وافتح رئتيك للهواء العليل.. اسعد بالحاضر وجمالياته ومننه التي لن تراها حتى تركل غشاوة الأحزان عن طريقك ، وترفعها عن عينيك وتتشح بالتفاؤل والأمل والرضا. هل يمكن نسيان الماضي؟ يبدو ذلك صعباً، ولكن علينا ألا نعيش في الماضي بكل أحاسيسنا، ولا نستسلم لسطوة التاريخ التي تحول دون رؤية الحاضر. في الماضي أمجاد تتحدث عنها، بيد أن البكاء على الأطلال عشق عربي خلده الشعر وازّينت به الخُطب، وبات مَهرباً عند النوازل، على أن أولئك العظماء الذين نتحدث عنهم؛ كانت عظمتهم أنهم عاشوا عصرهم، وصنعوا مستقبلهم، ولم يشغلهم الماضي. في الماضي آلام ومحن وإخفاقات : فَقْدُ عزيز يصعب نسيانه، خيانة زوج، فشل مشروع، قسوة قريب، إعراض حبيب، انفصال، هزيمة.. قاوم بجدارة.. الماضي لا يموت، كيف وقد عشناه بكل جوارحنا ومشاعرنا، يبقى مخزوناً في الشعور وفي اللاشعور، ومن المهم أن نبرمج الطريقة التي نتعامل بها معه. ذِكر الله وتسبيحه مصدر هائل للطّاقة والإلهام، فمنه كل شيء، وله كل شيء. الإيمان بالقدر يسكب في القلب رضاً (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ إِلَّا بِإِذْنِ اللَّهِ )، (مَا أَصَابَ مِنْ مُصِيبَةٍ فِي الْأَرْضِ وَلا فِي أَنْفُسِكُمْ إِلَّا فِي كِتَابٍ مِنْ قَبْلِ أَنْ نَبْرَأَهَا). ولأمرٍ ما جاء الكشف عن القدر والإذن الإلهي والكتاب المسطور، في مقام الحديث عن المصيبة ؛ليحدث الرضا والإيمان وهدوء القلب. التصالح مع الواقع والرضا به، ومحاولة تحسينه وتطويره دون جبرية أو استسلام. الأصدقاء هم عدة للنوائب، هذا وقتهم، لتعيش معهم أويقات من المتعة والفرح، ولتتكلف شيئاً من السرور، لا تحرم شفتيك الابتسامة، ولا تمنع لسانك الحديث، شارك وبارك، أنت هنا تحفّز طاقتك الذاتية، وتُفعّل وجدانك، ومن قَبْلُ فعلت ذلك أمُّ المؤمنين أم حبيبة زوج النبي صلى الله عليه و سلم -حين توفي أبوها أبو سفيان بن حرب، فدعت بطيب، فدهنت منه جارية، ثم مسّت بعارضيها، ثم قالت : والله مالي بالطيب من حاجة ، غير أني سمعت رسول الله صلى الله عليه و سلم قال:( لاَ يَحِلُّ لاِمْرَأَةٍ تُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ أَنْ تُحِدَّ عَلَى مَيِّتٍ فَوْقَ ثَلاَثِ لَيَالٍ إِلاَّ عَلَى زَوْجٍ أَرْبَعَةَ أَشْهُرٍ وَعَشْرًا). داوم على برنامجك المعتاد.. عملاً وقراءة ورياضة ومجالسة، واستجمع قواك للانغماس المتزن في الحياة. لا تكبت عواطفك، فقَدْرٌ من البوح هو متنفس للأحزان. تحدّث بإيجابية، ولا تسمح لكلمة سلبية عن ذاتك أن تمر على لسانك، فأُذُنك تسمعها وعقلك يحفظها، واللاوعي يقوم بتخزينها، اللاوعي ليس بدعة ابتكرها علماء النفس، هو حقيقة تدركها حينما تتذكر شيئاً ثم تنساه.. ثم تتذكره.. أين كان حين نسيته؟ ولو طمره النسيان المحكم سيظل مؤثراً بقدْر أو بآخر. في الماضي الذنوب والأخطاء والغدرات والفجرات، وربما ما تسميه أنت ب « الجرائم «! خاصة حين يحتدم الشعور بالذنب... حتى المعصية هي بقدَر، ومع الاستغفار ومحاولة التوبة و» الندم « المعتدل ، ستجد رحمة الله تحوطك، وعنايته تحرسك، ومغفرته تسكّن لوعة قلبك. لا تُطِل الوقوف عند أخطائك، إلا بقدر ما تقتبس منها حافزاً لمستقبل أفضل، ولتعويض رشيد. أكثر ما يكون الندم حين تتذكر إساءاتك للآخرين (أَنْ تُصِيبُوا قَوْماً بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ)، وأكثر من يحسّ بذلك أصحاب الضمير الحي (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا). اعتذر لمن أسأت إليه بشجاعة، وبسرعة، وبصورة مباشرة، واطلب الصفح، وخذ على نفسك عهداً ألا تعود، واجعل لمن أسأت إليهم حظاً من دعواتك، وثنائك الطيّب، وصلتك، وصدقتك. استغفر الله عشراً ومائة وألفاً، دون ملل، قرر أن يكون الخطأ سبباً في صواب أعظم، كما فعل عمر حين قال ما قال يوم الحديبية.. قال: فعملت لذلك أعمالاً! الإشفاق والخوف المعتدل مطلب.. رجل من السلف ركبه دين ؛ فقال : إنني أعرف لماذا أصابني هذا الدين.. قلت لرجل قبل أربعين سنة: يا مفلس! اللامبالاة مصيبة، كما التأنيب المفرط حين يحمل على الكآبة والعجز والانقطاع. أد واجبك نحو أسرتك ، وأعطهم وقتاً كافياً وشعوراً صافياً ، وصمم على أن تكون الأب والزوج المثالي! «صانع الموت» نوبل الذي اخترع الديناميت، وكسب منه ثروة هائلة، هو صاحب جائزة نوبل للسلام والإبداع والمعرفة، والتي أراد منها تصحيح جزء من خطئه، مع أن الديناميت يُستخدم لأغراض سلمية. بطل رواية «البؤساء» غيّر اسمه، ودمّر كل ما يمتّ للماضي البئيس بصلة، ويظل الماضي يتبعه «فأصبح من النادمين « غيّر نفسك من الداخل وتطبّع مع الماضي. في الماضي صدمة عدوان أو تحرش أو اغتصاب، هنا الإحساس بالأذى، وازدراء النفس، الكتمان وعدم البوح، الشعور المفرط بأن الناس يعرفونه ويشيرون إليه. ثم حالات عابرة يجب نسيانها أو تناسيها، بل يمكن للإنسان أن يشكك في حدوثها أصلاً، ربما كان الأمر توهماً أو ظناً في غير محله، أو لم يكن تحرشاً بالمعنى الدقيق. وثم صغار يتوجب على أهلهم ألا يشعروهم بالذنب والإحساس السلبي تجاه أنفسهم، أو يبالغوا في تحذيرهم بما يصنع لديهم الاضطراب وفقدان الثقة. تذكر أن المهم ليس هو ما حدث، بل استجابتك للحدث، وقدرتك على تجاوزه، وافترض أنه لم يحدث، وإن حدث أن الناس غير معنيين به، وعندهم من همومهم ما يشغلهم عنك وعنه. لا تنس أنك كنت الضحية وليس الجاني، وأن مرحلة عمرية كانت تمر بك كغيرك، تذكري يا ابنتي تلك الفتاة الأمريكية التي اغتُصبت فألّفت كتاب « نعم أنا الفتاة التي اغتصبت « ولاقى رواجاً كبيراً. لا تذيعي قصتك، ولكن تحلَّي بالرّوح الإيجابية في داخلك.. اغسل يديك وجسدك ، وتطهّر فهذا يساعد على التخلص من الإحساس بالذنب. استخدم الخيال لإعادة البرمجة الذاتية، فالخيال أهم من المعرفة. اقذف الصورة المسيطرة عنك بعيداً ، وتعلّم كيف تتغلب عليها. تحدث بإيجابية، فكما تقول تكون! -الألم من الماضي هو حاضر، وربما مستقبل، العادة التي يدمن عليها، علاقة محرمة - شراب - مشكلة سرية.. إياك أن تقول: لا فائدة، ولو أخفقت للمرة الألف، لا تسمح باتساع دائرة الخطأ، حاصره بالعمل الصالح، اندفع للإحسان إلى الناس، فالله يحب المحسنين.