على ماذا يعول مثيرو الشغب في العوامية ؟ وما الأهداف الكبرى التي تجعلهم يستهدفون رجال ومراكز الأمن؟ وما الشرارة التي أوقدت قوارير الملتوف؟ فالتوقيت في البداية ليس مناسبا بل هو على العكس من الممكن أن يفسر ويستخدم ضدها, فالآن تشير الكثير من القراءات السياسية والتحليلية للمشهد في سوريا إلى أن تهاوي النظام السوري بات وشيكا وأن أيامه أصبحت معدودة , الأمر الذي يجعل حلفاؤه الاستراتيجيون وأصحاب الأطماع الأقليمية القديمة في المنطقة يسعون إلى القيام بعدد من التحركات العشوائية غير المدروسة , لكنها تحركات تشبه حكاية (شمشون) التي وردت في العهد القديم فشمشون الجبار الطاغية عندما فقد شعره وبصره وقوته نتيجة احتيال (دليلة) عليه قام بهدم المعبد فوق رأسه ورأس أعدائه سويا. وينطلق القائمون على التحالف الإيراني السوري باتجاه عدد من المسارات التي تهدف إلى أشعال بؤر توتر في المنطقة كي تسحب الأنظار نوعا ما عن المجازر التي تمارس ضد الشعب السوري , لذا على ماذا تعولون؟ هذا التوقيت غير حصيف وبلا رؤية وطنية , لأنه ببساطة سيربطه الكثيرون بالتجاذبات الأقليمية المتوترة في المنطقة , وذلك كله سيدفع مواطنينا إلى التورط والانخراط بالتعبئة الطائفية لأنظمة تعتاش وتستمد شرعيتها من الاحتقان والشحن الطائفي على حساب مطالبهم الوطنية التي يؤمن بها الجميع. وعلى ماذا تعولون؟ لأن القيادات الدينية الشيعية أيضا قاربت الموضوع بحذر فعلى سبيل المثال الشيخ الصفار قال في خطبته الجمعة الماضية , إن (العنف مدان) ومرفوض بجميع أشكاله , أيضا إذا كنت تعولون على النخب الفكرية المثقفة التي لطالما آمنت بالمطالب ودفعتها إلى واجهة الرأي العام, فإن تلك النخب أيضا (كما تبدى من ردود أفعالها) لها أيضا ثوابتها ومقدساتها الوطنية التي من المستحيل أن تكون مساحة للجدل أو المزايدات. النخب الفكرية والثقافية المحلية هي مثل الأم التي من الممكن أن تغضب على ابنها (الوطن) وتوبخه أحيانا ,ولكنها ستنقلب حتما إلى لبوة شرسة بأنياب وأظافر مشهرة ضد كل من يحاول المساس بأمنه واستقراره. إذا فعلى من تعولون في هذا التوقيت الحرج؟ محاولو إثارة الشغب لابد أن يدركوا أن الفضاء العام حولنا محتدم محتقن وجاهز لاستقبال شرارة التأجيج والعنف الطائفي , وتنين الطائفية كامن ولكنه يرقب المشهد بعيون حمراء يقظة , ولدى جميع الأطراف مع الأسف إرث هائل من مفردات التأجيج والتنابز الطائفي كونه جزءا من العقلية المؤدلجة المغلقة على مسلماتها ويقينها والعاجزة عن القبول والتآلف والتسامح. الوطن يضاعف خطواته الجادة نحو مناخ الإصلاح ومظلة التسامح والتعايش وقبول الآخر, فافتعال لغة العنف لن تكون سوى مساس بمقدسات الوطن الحاضن للجميع الذي يجب الحفاظ على أمنه واستقراره.