عبدالعزيز شاب متزوج حديثا ويبلغ من العمر 26 عاماً، احس بانتفاخ وقساوة في منطقة صغيرة من الخصية اليسرى متصاحبا مع ألم خفيف وشعور بعدم الارتياح خاصة وان الانتفاخ ظهر فجأة وبدون مسببات. وعلى الفور من صباح اليوم التالي قام بعرض نفسه على طبيب في احد المركز الصحية القريبة من سكنه والذي قام بدوره بعمل الفحص السريري واجرى تحليلا للبول والذي لم يظهر وجود التهاب بكتيري وكان التشخيص المبدئي هو التهاب في الخصية والبربخ وعليه تقرر البدء باستعمال مضاد حيوي لمدة اسبوعين مع عمل كمادات للمنطقة المصابة. بعد مرور 3 اسابيع عاود عبدالعزيز مراجعة طبيبه مع ملاحظة ان الانتفاخ والقساوة قد زادت عن السابق الا ان الآلام قد اختفت ولهذا قرر الطبيب تغيير المضاد الحيوي بآخر ولمدة اسبوعين مع النصيحة بالراحة وتجنب الاجهاد. وبعد مرور شهر ونصف من بداية المشكلة مع ملاحظة ان الانتفاخ لم يتحسن قرر عبدالعزيز عرض نفسه على طبيب متخصص وبعد اخذ القصة المرضية والقيام بالفحص السريري الكامل تم عمل اشعة صوتية على الخصية والتي بينت وجود ورم صلب داخل الخصية يبلغ حجمه 7 سم وهو ما اثبتته كذلك تحاليل الدم، وعلى الفور تقرر اجراء عملية استئصال للجهة المصابة وارسال العينة لمختبر الانسجة والذي ايضا اثبت تشخيص الورم الغير حميد ولكنه كان محصورا في الخصية بفضل الله. هذه الواقعة والتي كانت قد تنتهي بنهاية مأساوية لولا لطف الله ومن ثم توفيقه للمريض، ليست الاولى التي يتم فيها اعطاء علاج غير مناسب بناء على تشخيص خاطئ او نتيجة لقصور في المتابعة بعد العلاج، كما ان هذه القصة الواقعية تبين مدى اهمية الخبرة الطبية والفحص الشامل وكذلك عمل التحاليل المخبرية والاشعاعية المناسبة في حالة انتفاخ الخصية في مثل هذه الفئة العمرية. سرطان الخصية الاكثر بين الشباب: تشكل اورام الخصية حوالي 1% من مجموع الاورام التي تصيب الرجال في اي مرحلة عمرية، وبحسب السجل الوطني للاورام فقد تم تسجيل 38 حالة عام 2006م و58 حالة عام 2007م في السعودية. ويعتبر سرطان الخصية الورم الأكثر شيوعاً عند الشباب ما بين 20 و40 سنة من العمر. ويقسم إلى فئتين أولاها السيمينوما أو الورم المنوي (Seminoma) وثانيتها جميع الأورام االجينية الأخرى الغير منوية (Nonseminomatous) مع تعادل نسبة حدوث هاتين الفئتين. ومع وجود الكثير من النظريات الا ان العامل المسبب للإصابة بسرطان الخصية لم يكتشف حتى الآن وهو غير معروف طبيا ومن الصعب جدا تفسير إصابة أناس بسرطان الخصية دون غيرهم وبالتالي كل رجل عرضة للإصابة بهذا السرطان . وقد اشارت بعض الأبحاث العلمية إلى أسباب وعوامل يؤدي وجودها عند الشخص الى زيادة احتمالية أصابته مستقبلا بسرطان الخصية ومن هذه العوامل: - الطفل الذي يولد بخصية معلقة في البطن أي لم تنزل إلى كيس الصفن ( Cryptorchidism ) إذا لم تعالج في وقت مبكر وخلال فترة طفولته فان احتمالية الإصابة بسرطان الخصية واردة وبشكل كبير. - الاصابة بمتلازمة كلاينفلتر. - صغر حجم الخصية او تشوهاتها الخلقية. ومع التقدم المتميز في معالجة هذا الورم خلال السنوات الخمس وعشرين الماضية فقد أصبح هذا السرطان من الأورام الأكثر تجاوباً للمعالجة مع نسبة مرتفعة جداً للشفاء منه باذن الله قد تصل إلى أكثر من 95٪ ، بينما كان أمل الشفاء في الماضي لا يتعدى 64٪. من أبرز علاماته السريرية التي تحتاج التشخيص السريع واركز هنا على اهمية التشخيص السريع ومن ثم المعالجة الدقيقة: حصول تصلب أو تضخم غير مؤلم في الخصية يشعر به المريض نفسه وهذا يؤكد اهمية الفحص الذاتي للخصية والذي يعتبر واحداً من الاجراءات المهمة التي تزيد من امكانية اكتشاف الورم فيها، وهذا الفحص بسيط جداً وفي امكان اي رجل القيام به. ومن العلامات الاخرى والتي قد تتصاحب مع التصلب وتحدث في حوالي 30٪ إلى 40٪ من تلك الحالات وجود ألم فاتر وغير حاد في الخصية أو الشعور بالثقل في أسفل البطن أو العجان أو الصفن. وأما في حوالي 10٪ من تلك الحالات فقد يكون ألم الخصية حاداً وشديداً. وقد يتصاحب المرض بنسبة 10٪ بعلامات سريرية تعود إلى انتشاره إلى أعضاء أخرى كتورم في العنق نتيجة وجود سرطان نقيلي في العقد المفية أو حدوث سعال أو ضيق في النفس إذا ما انتشر الورم في الرئة أوغثيان وترجيع في حال امتداده خلف الأمعاء أو آلام في العمود الفقري إذا ما انتشر إلى خلف الصفاق وأصاب العضلة القطنية أو الجزر العصبية أو أعراض عصبية في حال انتشاره إلى الدماغ أو النخاع الشوكي أو الأعصاب أو تورم في أحد الساقين نتيجة حصول تخثر أو انسداد في الوريد الأجوف السفلي أو الوريد الحرقفي. أشعة سينية لمريض مصاب بورم خصية منتشر في الرئتين التشخيص: ويتم التشخيص بالفحص السريري على الخصيتين مع تحديد حجمهما ومحيطهما وتماسكهما للتفريق ما بين الخصية الطبيعية والخصية المصابة بالسرطان. فإذا ما تبين وجود قساوة او تورم صلب مثبت في الخصية نفسها أو في غلالتها البيضاء فذلك يوحي بوجود سرطان خصوصاً إذا ما امتد التصلب إلى البربخ والحبل المنوي. ويشمل الفحص السريري أيضاً البطن والعقد اللمفية في الرقبة والثدي والصدر للتأكد من عدم انتشار المرض. والجدير بالذكر ان وجود قساوة (تصلب) في الخصية وان كان عادة دليل وجود سرطان فيها إلاّ أنها قد تمثل حالات أخرى كانفتال الحبل المنوي والتهاب البربخ أو الخصية والقيلة والدوالي والفتق والتجمع الدموي والقيلة النطفية. ولاثبات التشخيص تجري عادة أشعة صوتية على الصفن يتبعها في حال تشخيص الورم عمل أشعة مقطعية على البطن وتصوير الرئتين الاشعاعي. العلاج: يتم العلاج عادة باستئصال الخصية المصابة كاملة اواستئصال الجزء المصاب فقط ان كان صغيرا وامكن ذلك جراحيا من جهة المنطقة الاربية ولا يقبل علميا إجراء العملية من خلال كيس الصفن مباشرة للوصول إلى الخصية ولا حتى المساس بالغشاء الخارجي المبطن للخصية لأنه إذا ما ثبت فعلا إصابة هذه الخصية بالسرطان وبوجود مثل هذا القطع في جدار الخصية سوف يسبب تسرب الخلايا السرطانية إلى الأنسجة الأخرى والمحيطة بالخصية ومن ثم انتشارها إلى مواضع أخرى في الجسم. تقسم أورام الخصية إلى فئتين أولاها السيمينوما أو الورم المنوي وثانيتها جميع الأورام الجينية الأخرى غير المنوية وفي بعض الحالات قد يتبع التدخل الجراحي جلسات علاج اشعاعي او كيميائي للتغلب على المرض بعد تحديد درجة الورم ومدى انتشاره. هنا يجب التأكيد على أنه من الضروري في معظم تلك الحالات تجميد الحيوانات المنوية قبل القيام بأي علاج كيميائي أو اشعاعي بغرض استعمال تلك الحيامن للتلقيح المجهري في حال تأثر عمل الخصية الاخرى وهو مايشاهد غالبا بعد مثل تلك العلاجات. كما يجب التنويه على نقطة في غاية الأهمية وهي اذعان المريض على المتابعة الدورية بدون أي اهمال أو تردد لتفادي حصول انتكاسة للمرض (والتي تحدث بنسبة20- 35%) اوامتداد الورم والذي قد لا يتجاوب تماماً لأية معالجة تدخلية. ويحدث النكس عادة للورم خلال السنتين الأولى من المتابعة مع بروزه في السنة الأولى بنسبة 86٪ وفي السنة الثانية بنسبة 14٪ وفي السنة الثالثة والرابعة بمعدل حوالي 4٪ تقريباً. وفي تشخيصه المبكر والسريع عند أول ظهوره يمكن معالجته بالعلاج الكيميائي أو الجراحة الاستئصالية أحياناً مع أمل ممتاز للبقاء على قيد الحياة بمشيئة الله عز وجل بنسبة 96٪ إلى 99٪ ومع زوال السرطان التام في حوالي 75٪ من تلك الحالات.