على الرغم من تباين الآراء حول المقترح المقدم لمجلس الشورى لمناقشة صرف بدل السكن لموظفي الدولة، إلا أن جميعها لم تستثمر هذا المقترح في تصحيح الوضع الحالي الذي يعاني منه السوق العقاري وملاك الوحدات السكنية والمستأجرون والذي تسبب في ارتفاع أسعار العقار وإيجارات المساكن، فمؤيدو المقترح يستندون على ارتفاع أسعار الإيجارات، بينما معارضوه يخشون من تسببه في ارتفاع جديد وتحميل ميزانية الدولة مبالغ كبيرة، فهم يعترفون بارتفاع أسعار الإيجارات حاليا ويعلمون بالأسباب الحقيقية لارتفاع أسعار العقار الذي تضرر منه الموظف والمتقاعد وليس له دخل فيها، ومع ذلك يصرون على حرمانه وأسرته من بدل (قد يكون مؤقتا) ويجبرونه على تحمل ذلك لوحده. فالحقيقة أن ذلك المقترح لم يأتِ بجديد على مجتمعنا لكون هذا البدل يصرف أساسا لجميع موظفي البنوك والشركات، بل هناك جهات حكومية تصرف بدل السكن لمنسوبيها وبموجب النظام يُصرف لجميع المتعاقدين الأجانب مع الحكومة، كما أن الجامعات والقطاعات العسكرية تعمل على توفير السكن، فالمشكلة ليست في إقرار المقترح بل في التمييز بين موظفي الدولة، فلماذا يصرف بدل سكن وتأمين طبي لموظف ويحرم آخر منها بسبب عدم انتمائه لذلك الجهاز الحكومي؟ والمشكلة الحقيقية عندما يعارض هذا المقترح رجل أعمال أو خبير في القطاع الخاص أو ممن يصرف له بدل سكن من الحكومة بمبلغ كبير ويعتقد بأنه سيكون أكثر إخلاصا عندما يوفر على الدولة صرف مبالغ لباقي موظفي الدولة التي تثبت الإحصاءات الرسمية بأن معظمهم مستأجرون لمساكنهم، والأهم المبالغة في قيمة البدل بأنه (75) مليار ريال بينما هو لن يتجاوز ال (50) مليار ريال فعليا. فإثارة موضوع صرف بدل السكن أتى بعد الارتفاع الكبير بأسعار الإيجارات وعدم تأجير الملاك للموظف السعودي بالقطاع المدني أو العسكري ولو دققنا أكثر في السبب لتبين لنا أن أبرزها: - عدم وجود نظام واضح ينظم العلاقة بين مالك العقار والمستأجر يحفظ حقوقهما والذي بسببه برزت مشاكل رفع الإيجار المتكرر واضطر كثير من الملاك إلى عدم تأجير المواطن لعدم التزامه بدفع الإيجار، وهو السبب في عزوف المستثمرين عن مشاريع التأجير السكني التي تعتمد عليها معظم شعوب العالم في استقرار الأسعار. - التأخير الكبير في تصفية المساهمات المتعثرة لسنوات طويلة وعدم البت في قضايا الإرث وخلاف الورثة والتي بسبب ذلك جُمدت مساحات كبيرة من الأراضي داخل النطاق العمراني. - عدم السماح بتعدد الأدوار للأراضي السكنية كما هو الحال ببعض المدن الكبرى مثل جدة، لكون الاكتفاء بدورين تسبب في رفع الطلب على الأراضي! وينطبق ذلك أيضا على عدم السماح لأكثر من دورين على الشوارع الكبيرة (40)م و(60)م. - منح الأراضي بمساحات كبيرة والتأخر في تطوير أراضي المنح بالمدن التي تعاني من أزمة السكن. - تأخر الصندوق العقاري لسنوات طويلة في الإقراض عندما كانت أسعار الأراضي معقولة والتوسع في منح القروض بعد الارتفاع الكبير في أسعارها. ولو تأملنا تلك الأسباب لوجدنا أن ذلك الموظف المحروم من بدل السكن هو من كان يطالب لسنوات بتلافي تلك الأسباب التي رفعت أسعار العقار وأن الجهات الحكومية -كل في اختصاصه- هي المتسببة في أزمة السكن وارتفاع الإيجارات. ولذلك فإن هناك أهمية لمناقشة صرف البدل بموضوعية وبعيدا عن العاطفة وبألا يكون لحجم المبلغ الذي ستتحمله الدولة سنويا دور في ذلك لكون الدولة حاليا تصرف البدل أو تؤمنه لبعض موظفيها، فتعميم هذا البدل يجب أن يكون سببا في إسراع الجهات الحكومية لمعالجة هذا الوضع الذي أرهق شريحة كبيرة من المجتمع، كما أن مجلس الشورى وهو جهاز مستقل ليست من مسئولياته كيفية تدبير تكاليف مالية لأمر رأى أهميته، فذلك من اختصاص الحكومة التي رأى أعضاء المجلس والخبراء كيف أقرت القيادة المليارات للمواطنين وبدون أي توصية من المجلس، كما يجب أن يكون لبدل السكن حد أدنى ويمكن أن يكون بحد أعلى لتلافي زيادة الأسعار وليشمل المتقاعدين إلى حين انخفاض الإيجارات، ومن المهم أن يكون لهذا البدل دور في التزام المستأجر بسداد قيمة الإيجار وعدم التلاعب لأن هذا البدل لن يرفع الأسعار بل سيشجع المستثمرين في قطاع التأجير السكني لتوفير الوحدات السكنية وبالتالي انخفاض الأسعار لضمان السداد.