أهم عامل من العوامل التي تجعل انخفاض سعر صرف الريال القسري (اي الخارج عن إرادة ساما) هو السبب الأساس في حدوث التضخم (اي ضياع بركة الريال) في داخل اقتصاد المملكة هو انه لا يوجد لدينا لا منتجات ولا خدمات ولا صناعات (ولا حتى البلاستيك والبتروكيماويات) التي لا تستورد معظم - ان لم يكن جميع - عناصر إنتاجها من الخارج، هذا يجعل انخفاض سعر صرف الريال بالنسبة للعملات الأجنبية في الخارج ينتقل تلقائيا مباشرة الى انخفاض قوة الريال الشرائية في الداخل. لو اخذنا البلاستيك والبتروكيماويات (وهي في الحقيقة الصناعة السعودية الوحيدة التي نصدرها) كمثال لأنها هي الصناعة الوحيدة ايضا التي تستحق التشجيع ويهمنا كثيرا ان تكون قادرة على المنافسة في الخارج لوجدنا انه باستثناء اللقيم (الذي هو هبة الأرض) فمعظم بقية عناصر انتاجها الأخرى من المصانع والآلات والمعدات والتكنولوجية الى جزء كبير من العمال (الأيادي التشغيلية على المكنة داخل المصنع) مستوردة من الخارج وتتأثر مباشرة (اي ترتفع تكاليف استيرادها) بقدر انخفاض سعر صرف الريال القسري بالنسبة لعملات دول العالم التي نستورد منها هذه العناصر لصناعة البتروكيماويات. هذه النقطة تجعلنا نضحك لنكتة بعض الاقتصاديين لدينا الذين يقولون إن رفع (الذي هو في حقيقته رفع تعديل وليس رفع زيادة) سعر صرف الريال يضر صادرات الصناعات السعودية من غير ان يقولوا لنا كيف وماهي هذه الصناعات السعودية التي تتضرر من تعديل سعر صرف الريال؟ معظم - إن لم يكن جميع - الأشياء التي يستهلكها سكان المملكة من الإبرة والخيط وقطعة القماش الى مكينة الخياطة والخياط هي مستوردة من الخارج وترتفع تكاليفها مباشرة بمجرد انخفاض سعر صرف الريال القسري هذا الشيء يعرفه الجميع وأول من يعرفه ويحاول ان يتفاداه (بل يحاولون كبشر استغلاله للاستفادة منه وتحويله لصالحهم) هم نساء ورجال الأعمال بجميع فئاتهم لاسيما التجار والصناع والمقاولون (سواء المواطنين او الأجانب) فهم ليس فقط يحسبون حساب انخفاض سعر صرف الريال الحالي وتمريره كذلك على الموجودات في مخازنهم بل أيضا يأخذون في حسابهم الانخفاض المتوقع في المستقبل على مدى تصريف بضاعتهم او من بداية تقديم العطاءات الى انتهاء التنفيذ وتسليم مفاتيح المشاريع واستلام آخر هللة في مستحقاتهم لأنهم تعلموا من تجربتهم ان انخفاض سعر صرف الريال القسري لن يلاقي علاجا من مؤسسة النقد وبالتالي ستقل ارباحهم اذا لم يأخذوا هذا الانخفاض في حساباتهم. ألم تسمعوا عن الشركة الصينية التي زعمت انها ستخسر 623.3 مليون دولار (تصوّروا 2.4 مليار ريال) في قطار المشاعر المقدسة وان الجهة المالكة للمشروع وافقت على اجراء محادثات لاحتمال التعويض (الرياض نت عن رويترز بتاريخ 6 \ 11\ 2010). الشركة الصينية مجرد مثال واحد لبقية جميع المشاريع الحكومية الأخرى. كذلك كمثال من نوع آخر عن المطالبة بزيادة اجور عمال خدمات المنازل فالهند تشترط وتطالب رسميا برفع اجور السائقين المستقدمين من الهند من 1200 الى 1500 ريال اي بمقدار 25 % (عكاظ العدد 3733). جميع العمالة المستقدمة من الخارج إما تطالب بزيادة اجورها بشكل صريح واما تلجأ الى الهروب (يقال بمساعدة وتستر سفاراتهم) من مستقدميهم للبحث عن العمل بأجور اعلى لدى الآخرين. وفقا لرواية سمعتها ان شغالته كانت تتقاضى سبعمائة ريال في الشهر قالت لمكفولتها عند سفرها اذا ارادت منها ان تعود للعمل لديها مرة اخرى فعليها ان تعطيها: "عشرة مية لا سبعة مية" اي بزيادة قدرها 43 % في راتبها خلال سنتين . المشكلة هي ان انخفاض القوة الشرائية للأجور تجعل العامل الماهر لايقبل بها فنضطر للجوء الى استقدام العامل الغشيم الذي يقبل بالأجر القليل من اجل ان يأتي ليتدرب على العمل لدينا فيتكدس عدد العمال ويصبح العمل الذي يمكن ان يؤديه عامل واحد يتطلب استئجار عشرة عمال وفي الأخير تكون النتيجة طبطبْ وليّسْ يطلع الكوبري يخر المطرة كويس. الأسبوع القادم - إن شاء الله - سنحاول تقديم بعض الحلول.