لمن لم يبلغها بعد، ومن أقبلوا على الأربعين، أو تجاوزوها، وحتى الخمسين وما بعدها قليلا، أو بمعنى آخر وعباراتٍ أخر، جيل الوحدة والتنمية والتحضر والأمن، ومن لم يدركوا ما قاساه آباؤهم وأجدادهم من العنت وشظف العيش وقسوة الحياة ووحشة الطرق في الصحاري القاحلة التي لا تعرف إلا الشمس والغبار وعواء الذئاب وترحال لا يمل من المسير إلى المجهول أو شبهه. أما العمل وفرصه ومشقته فإن أيسره يكون بالسفر وترك الأهل عمالا في الزبير أو الغوص والهلاك في أعماق الخليج، أو خيار البقاء مع تكسير الأحجار من الجبال والضلعان وحملها على الأكتاف أو الخوض في الطين والتبن من أجل تكوين لبنات شيء قد يشبه البناء أو الأطلال إذا اكتمل، وكل ذلك بقوت ذلك اليوم فقط، وبصحبة الخوف أو الترقب والقلق مع الفقر والأوجاع أو غول المرض، ذاك العدو اللدود البغيض الدائم مع كثرة الأعداء واختلاف ألوانهم وأجناسهم وتربصهم على الأبواب إن وجدت، أو في بيوت الشعر عندما تلعب بها العواصف رغم رياح أنات وآهات ربابة بدوي أضناه العطش والحرمان. غير أن هناك شيئا قد لا يذكر من الواحات الصغيرة التي حاولت، لكنها عجزت أن تكسر حدة الجفاف في الحياة وفي سلوك الإنسان الذي تعب وأتعب نفسه وكل ما حوله بكل تناقضات الصحراء وتيهها وامتدادها في الأحداق والآفاق والشعور المعلق في نياطِ قلبِ لم يزل ينبض، وفي وجدانِ عاشق يغالب الدمعة ببسمة حبيب أو بيت شعر شارد يصف قبلة ( حسين الدل ) بعدما قارنها بالمطية عند الهلاك ( في الصمان والقيض حاديه ). صحيح أن هؤلاء – أقصد جيل الخمسين وما تحتها وما فوقها بقليل - لم يدركوا شيئا من ذلك التعب والخوف، ولكنهم ورثوا من أسلافهم بسند متصل مع قيم الوفاء والكرم والصدق نوع ذلك الخوف ومرارة ذاك التعب، حتى صارت حكايات الواقع في الأمس حقيقة ومجازا واقعا في الحكايات اليومية لنعمة اليوم مجازا وحقيقة والتقلب في رغدها ونعيمها، وإن جرح ذلك الرغد وأسيء إلى هذا النعيم أحيانا بشيء من منغصات عدم الإقبال على الحياة من قلة قليلة ترى أنها تمتلك ناصية الحكمة والحق وحدها، وهو أمر طبيعي ومألوف لدى كافة الأمم والشعوب عبر تاريخها وهي تبحث عن واقع أمثل حتى أدركته. عبدالله بن عبدالعزيز يختصر في هذا السياق ما يمكن أن يقال في مقالات عديدة وهو يحتفل بيوم الوطن الواحد والثمانين على طريقته الخاصة تحت قبة مجلس الشورى بقراراته التاريخية. ولهذا يمكن أن تقول بأن وحدة الوطن في ضوء ذلك وسواه تبقى عصية المساس والمساومة أو الرهان، وهي بهذه المثابة لن يفرط فيها أبدا مهما كانت أبعاد وشاية الأوضاع السياسية والاقتصادية الإقليمية والكونية، وهو أي الوطن بإيجاز سريع في قلب قائده والقائد في قلوب شعبه، تقرأ هذا بوضوح في لهفة ومعاناة مغالبة التعب وإحساس الملك الحنون، وأبعاد الشجن في صوت الأب الأكبر المشفق وهو يأخذ الجميع للائق دوما عندما يتحدث.