يدور بخلدي كثيراً مقولة للشاعر الإيطالي فرلين وهي أن المرأة أكثر من الرجل إدراكاً للحقيقة العاطفية ، والمرأة حقائق وعواطف وليست حقيقة عاطفية واحدة مجرّدة ، وللإدراك مراتب حدّدها الفلاسفة ، لكنني أرى أن أهم حقيقة عاطفية تدركها المرأة هي التضحية ! التضحية هي شيء أعمق في جوهرها من العطاء ، وأكثر منها في المظهر .. التضحية عطاء متدفق مع صبر على الألم ، شيء متوجب يتحلى به الإنسان لأخيه الإنسان ، ومدرك سمى به عقل المرأة الإنسانة ، لكنه للأسف لم يدرك من قبل أنصاف وأرباع الرجال ، وإنما عدّوه واجب الاستعباد الشخصي للمرأة : تعال ازرع بقلبي بذرة النسيان وانساني وابا اوعد ما يثور الشعر لا مرّت بي الذكرى دخيلك ما يصير الجرح وأنت وظلم حرماني وتعب عمر تخاوى مع ركاب اتعبهم المسرا تريّث ودّع عروق الظما هاجت بشرياني وخذ طيفٍ عليه من العتب روح العزا تقرا وإلى من ظامك الواقع تعزوا بي وتلقاني على خبرك وفي وصلك عظيم الجرح بي يبرا كسر ضلع الصبر صوتٍ من الخفّاق ناداني صرخ بي في غياب الناس هدّ الدمعة القشرا حبيبي لك معي اسوارةٍ في جيد وجداني ولك صورة قديمة ما تعرف الضحكة الصفرا دخيلك خذ بقايا عشرتك يا قلب أضناني وخل الدار من عقب ارتحالك مظلمة قمرا ما أجمله من تضحية للشاعرة القديرة "صدى الحرمان" رحمها الله ، على رغم ما كابدته كونها من ذوي الاحتياجات الخاصة ، إلا أنها أبت إلا أن تضحّي أكثر وأكثر ، مثلها مثل كثير من النساء الخليجيات المناضلات ، اللواتي لا يتأنين في تأنيب أنفسهن على لحظة نسيانٍ فطري يعتري الإنسان تجاه الإنسان : ياويل قلبي لو تناساك لحظة الموت أفضل من حياته بلياك أخاف ينسى بين نبضه ونبضه وهذي خطية من جزاها بيفداك ماهوب عدلٍ يصبح القلب رمضة من بعد رويه من صفايا محيّاك أنا أشهد انك نوم جفني ويقظه وتزيد حب المن يحبك ويهواك ملكت روحي بين وقفه وركضه ياليتني لولو يزيّن ثناياك قولي صريح ومايبي منك نقضه أعلنتها للخلق واقول أهواك ما أحلاها من تضحية لشاعرتنا القديرة " سناء البرق " ، تهدي الرجل عمرها كله ، وتتمنى وتتمنى ، ولكن هل يستحق الرجل كل ذلك ؟ .. دعونا نقرأ لشاعرتنا بنت حميد هذه الاحاسيس : ليتهم ماروّحوا هاك النهار واسكنوا بين الرموش وظلّها ليتهم ماهاجروا أرض الديار ليتهم ياليتهم ياعلّها التمني زايدٍ قلبي حصار ودمعتي في ناظري باهلّها ازرعوا في خافقي حب ووقار موتوني قبل ياصل حلّها كم قضينا من ليالي في جوار عشرة في دنيتي مااملها مايفرّق بيننا كود الجدار واهتنت عيني بشوفة خلها جامعٍ من الحلا ملح وسمار والحواجب في حضوري فلها الهروج صغار في وصفه صغار يابعد دق الهروج وجلها يوم روّح يلتفت لي باعتذار من عيون سيل دمعه بلّها عن جروح من سبب بعده كبار وحسرةٍ في خافقي مااشلها قلت له والقلب في حال احتضار خذ عيوني أو عيونك خلّها والقدر أعلن قراره باختصار ضاعت النظرات زوله تلّها كل نظرة ماتبي غيره مدار كل نبضه في عروقي شلّها ليتهم ماروحوا هاك النهار واسكنوا بين الرموش وظلّها تضحية لا يوازيها تضحية .. كل هذا للرجل؟ .. أجل فالرجل يستحق إن كان مقدراً ، وصاحب أحاسيس يحمل أحاسيس المرأة وأحاسيس معاناتها على طبق من ذهب ، تحملها كفوفه برفقٍ ولين ، ويقبل تلك الأحاسيس قبلة امتنان ، ويرد على تلك الأحاسيس بمثلها وبالأشياء المحسوسة أيضاً .. كيف لا والمرأة لا تخذل ظن الرجل فيها دوماً؟ بل تهبه دمها النقيّ الصافي مقابل راحته ، وفي ذلك تقول شاعرتنا القديرة " قسمة العمراني" لتعبّر عن تضحية العطاء : ياشاعري ابدع قصيدك على الرف واجمع خيالك من سنا نور عيني ياشاعري وانا لك الطار والكف واجمل حروفك خطها في جبيني ادري بك انك للقاء بي تلهّف واني العزا في دنيتك ياضنيني واوعدك لو صبري خذلني وتوقف مااخذل ظنونك فيّ يااغلى سنيني ولو الورق والحبر والدمع بي جف لا سطرك بالدم في راحتيني ياشاعري اكتب قصيدك على الدف وانثر قوافيها على اهداب عيني المرأة تستحق ان يضحّي الرجل من أجلها ، كيف لا والمرأة تهبه حياتها مقابل حياته؟ تحمل الرجل حين يكون حجمه صغيراً تسعة أشهر ، وتتحمل الآلام في ولادته ، وتعتني بنظافة جسمه وملابسه ، ويمتصّ فيتاميناتها منذ أن يكون في بطنها وحتى يفطم ، وهي معرّضة في كل ذلك للهلاك والموت .. ثم تعتني به شبلاً ورجلاً وكهلاً حتى يموت ، فتحدّ عليه أربعة أشهر وعشراً .. يالها من تضحية أيتها المرأة .. شكراً .. بل شكراً جزيلاً ، وأنا واثق أنها لا تكفي !