اليوم الوطني مناسبة هامة نستعيد من خلالها مراحل بناء الوطن والخروج به من "التشرذم" و"التناحر" و"الجهل" و"الفقر"، إلى واقع مشرق ومتطور، منذ أن وضع الملك عبد العزيز آل سعود -رحمه الله- اللبنة الأولى بتوحيده البلاد، وبداية مراحل البناء الحقيقي للوطن، ليبدأ أبناؤه بعده الرقي والوصول به إلى مواقع النجوم. وفي عهد خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبد العزيز بدأت مرحلة جديدة للبناء تعمل على أساس جعل المواطن جزءاً فاعلاً في كل خطط الدولة، وإعطائه مساحة أكبر للمساهمة في تحقيق طموحات الوطن والحفاظ على مكتسباته، من خلال مؤسسات المجتمع المدني التي تساند الدولة وتقف معها في تحقيق رؤية القيادة لتحقيق كل ما يخدم الوطن والمواطن، وهي رؤية تنبثق من ثقة خادم الحرمين في المواطن، وضرورة أن يكون له دور فاعل في خطط التنمية والبناء، والتي توجه لخدمة المواطن بالدرجة الأولى، مع تحقيق التنمية المستدامة، بما يوفر لأجيالنا القادمة بإذن الله الرفاهية والتقدم. نبذ التعصب اليوم ونحن نحتفل بالوطن وتستعيد ذاكرتنا كيف كنا بالأمس وكيف أصبحنا؟، يجب أن نستوعب ونفهم جيداً أن الوطن للجميع وأن نعمل جميعاً على نشر ثقافة التقريب، مع القضاء على كل ما يمكن أن يساهم في تفشي مفاهيم خاطئة عن المواطنة وتصحيحها، وأن نقتلع كل جذور التعصب بكل أشكاله، وأن نعمل جميعاً بضمير حي وأمانة صادقة، من أجل الرقي بالوطن والوصول به إلى مواقع النجوم، كلٌ في موقعه الصانع والزارع والتاجر والطبيب والموظف والمعلم، وأن نسخر كل إمكانياتنا وطاقاتنا وقدراتنا من أجل الوطن وأجيال المستقبل، نابذين كل الأفكار البغيضة والنعرات السخيفة والمزايدات القبيحة، التي تضع تصنيفات ومسميات للناس لم ينزل الله بها من سلطان، بل وتجسد في الواقع ترسبات "نتنة" من فكر جاهلي مريض، جاء ديننا الإسلامي الحنيف لنبذها وتحريمها والتحذير منها، لما لها من أثر سلبي على اللحمة والمحبة بين الناس وتحقيق العلاقة البناءة بين جميع أطياف المجتمع. الوطن للجميع ثقافة الوطن للجميع يجب أن تصبح هدفا لنا جميعاً، وهذا لا يتأتى إلاّ عندما يدرك كل إنسان دوره المطلوب في أن يكون مواطناً حقيقياً، وأن لا تكون المواطنة مجرد بطاقة يحملها في جيبه، أو أن تكون مجرد وسيلة لتحقيق مصالحه الشخصية فقط، أو أن ننجرف وراء تسميات ومزايدات على المواطنة تخلق بيننا الفرقة والكراهية، بل وتصرفنا عن بناء الوطن وتقيم فيما بيننا أسواراً من الحذر وعدم الثقة في بعضنا، مما يجعلنا "نتقوقع" نحو مصالحنا الذاتية البغيضة، ونتجاهل دورنا الحقيقي في بناء الوطن والمجتمع والغيرة الحقيقية على الوطن، وظهرت في الآونة الأخيرة وبدأت تطل برأسها البغيض بعض النعرات القبلية والطبقية، والتي بدأت تروج لها بعض القنوات الفضائية التي يقف وراء ما تبثه بعض المتربصين بوحدة هذه البلاد ولحمتها وما أفاء الله عليها من أمن وأمان ورخاء وازدهار وخير. بث الفرقة وهدف هؤلاء الحاقدين والحاسدين هو زعزعة استقرار وطن الإسلام وبث الفرقة بين أبنائه، إلى جانب النيل من الوحدة الوطنية عن طريق إثارة النعرات القبلية والتعصب المناطقي، ونشر أفكار ودعوات حاقدة للتعصب بين أبناء الحاضرة وأبناء البادية، بهدف زرع الفتنة بين المجتمع، وهؤلاء المفسدين يستخدمون كل الأساليب التي يجيدونها ويلعبون على كل الحبال من أجل تحقيق أهدافهم الحاقدة، وهم لا يعلمون أن كل خططهم وأحقادهم تتحطم على جدار اللحمة الوطنية، وأن كيدهم -بإذن الله- سيرتد إلى نحورهم، وسيحمي المجتمع مكتسباته الوطنية والحياتية والاجتماعية وأخلاقه القويمة، التي تستمد قوتها من تعاليم ديننا الحنيف، الذي ينبذ التعصب بكل أشكاله ويدعو إلى وحدة المجتمع، وأن يكون ك"البنيان المرصوص" وك"الجسد الواحد"، وقد دعا خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز في أكثر من مناسبة إلى البعد عن التصنيفات ونبذ الفرقة والتعصب، وهذا يتطلب أن يكون هناك مشروع ثقافي اجتماعي حقيقي وفاعل، يعزز الانتماء للوطن ونبذ التعصب القبلي والتصنيفات الفكرية. الأمير سلطان يقبل طفلاً معاقاً ويلبي حاجته خلاف واختلاف وهناك فرق كبير بين الخلاف والاختلاف، فالخلاف هو البغض والتناحر والكراهية، وهذا ما يخلقه التعصب الأعمى لأي فكرة أو هدف أو قضية، ولكن الاختلاف في وجهات النظر حول بعض القضايا والرؤى التي يصح الاختلاف عليها فهذا أمر صحي ومطلوب للوصول إلى الأفضل والأمثل، والذي تتفق عليه الغالبية، ولا يجوز أن نعتبر من يخالف رأينا أو وجهة نظرنا أو حكمنا على الأشياء بأنه عدو لنا؛ لأن الخلاف الفكري بين الناس أمر أزلي وموجود، ولا يجوز لكائن من كان أن يمنح نفسه الحق في اتهام من يخالفه الرأي بأنه "زنديق" أو "ليبرالي" أو "منحل" أو "علماني" أو "منحرف" فكرياً، أو يستقي أفكاره من ثقافة الغرب، وهكذا كما لا يجوز في المقابل أن نقول عن الآخر "متزمت" أو "رجعي" أو "متحجر فكرياً". حماية من التضليل المطلوب أن نتحاور ونتبادل وجهات النظر وأن يكون الاختلاف بيننا هدفه الوصول للأفضل والمفيد لمجتمعنا ووطننا، وبما يحمي مكتسباتنا الوطنية والاجتماعية ويحصن أجيالنا ضد كل ماهو ضار أخلاقياً واجتماعياً ودينياً، وأن نحميهم من كل الأفكار المضللة والفاسدة والمفسدة، وأن يكون حوارنا بعيداً عن الأحكام المسبقة على الأشخاص والنوايا، مستنيراً بتعاليم ديننا الحنيف التي تقرر الانفتاح والتعددية، وأن يكون الاسم الذي نجعله عنواناً لكل حواراتنا واختلافاتنا الفكرية هو الحكمة، وأن يكون هدفنا من الاختلاف في وجهات النظر والرؤى هو خدمة الوطن وأبنائه، وتحقيق الإتلاف وليس الخلاف في المجتمع، وأن ندرك في هذا الوقت بالذات أن هناك الكثير من القوى الحاقدة والأنفس المريضة التي تحاول أن تستغل كل خلاف بيننا وتوظيفه لزرع البغضاء والحقد بين أبناء مجتمعنا، وتقويض كل عوامل الاستقرار والطمأنينة، وعلينا أن نعي في هذه المناسبة الوطنية الهامة ما يدور حولنا وبالقرب منا، وأن ندرك أننا مطالبون اليوم أكثر من أي وقت مضى خطورة الخلافات والنوايا السيئة ببعضنا البعض، وأن نعي دورنا في تبني الحكمة والأمانة في الفكر والتوجه الذي يحقق اللحمة بين كافة أفراد المجتمع، والتي تجمع ولا تفرق، وتعمق الفهم المشترك لكل ما فيه مصلحة الوطن والمواطن وأجيالنا القادمة. وسيلة مزايدات ولا يجب أن يتحول اختلافنا على مستوى الحرية المطلوبة للمرأة لتكون عنصر بناء في مجتمعها إلى وسيلة مزايدات على الوطنية والدين، وأن لا تكون وسيلة لأن نوزع الاتهامات لبعضنا ونطعن في أخلاقيات ودين البعض، وأن لا نحاول أن نخلق بيننا أسواراً ونغلق على كل من يخالفنا الرأي الطرق والمنافذ، بل يجب أن نتيح لاختلافاتنا مساحة أوسع من المواجهة والنقاش والحوار، وصولاً إلى رؤية أكثر عمقاً وفهما للآخر، مهتدين بما أنزله الخالق على نبينا محمد صلى الله عليه وسلم في كتابه الكريم في قوله عز وجل: "واذكروا نعمة الله عليكم وما أنزل عليكم من الكتاب والحكمة يعظكم به"، فالحكمة في القرآن الكريم كما أجمع المفسرون هي العقل الخير والقيم العليا والعلم الهادي، الذي ينبذ الخرافة ويحمي المؤمنين من الضلال. أخوة متحابون اليوم الوطني يجب أن يكون مناسبة لنحسن الظن في بعضنا، وأن يكون أمن الوطن ورقيه وازدهاره وتنميته فوق أي اعتبار، بل وله الأولوية في حياتنا وتفكيرنا، وأن يتحول هذا إلى سواعد تبنى، وأفكار تثري، وعقولاً تفكر وتعطي وتنجز وتبدع، وأن نعي جيداً عمق وبعد قول خادم الحرمين الملك عبدالله بن عبدالعزيز: "ليس هناك مواطن من الدرجة الأولى ومواطن من الدرجة الثانية، بل الجميع سواسية أخوة متحابون متعاونون لخير هذا الدين والوطن. الأمير نايف مستقبلاً المراجعين بمكتبه وينهي طلباتهم