** شعرت بألم شديد وأنا أتابع بعض الفضائيات المصرية.. منتصف هذا الأسبوع.. لما عرض فيها من حالات كانت تتحدث عن مشكلة تأخير عودة المعتمرين إلى بلادهم في الأيام الأخيرة من شهر رمضان المبارك. ** وما آلمني أكثر هو أن تلك اللقاءات والمشاهد المعروضة عبر تلك القنوات تجنت علينا كثيراً ولم تصور الأمر على حقيقته.. سواء في جانيه السعودي وما وقعت فيه الخطوط السعودية من أوجه قصور عجزت معه عن الوفاء بمواعيد عودة هؤلاء المسافرين إلى بلدهم في الوقت المناسب.. أو ما تسبب فيه المعتمرون أنفسهم.. من الذهاب إلى صالات الانتظار قبل الموعد، وافتراش الصالات بدلاً من الذهاب إلى الفنادق وتأمين الإقامة الطبيعية للأيام الباقية على مواعيد الحجز - كما تقول الخطوط السعودية - أو ما وقع نتيجة الإعلان عن حلول عيد الفطر في موعد سابق لتوقعات الناس ولاسيما المعتمرين منهم.. ما ضاعف من حدة الضغط على مطار جدة.. وكذلك على الخطوط السعودية نفسها وساهم في تعقيد المشكلة. ** ورغم كل هذا.. فإن ما عرضته تلك القنوات الفضائية.. ومنها بعض قنوات "الحياة" كان عبارة عن مبالغات.. خرجت بالموضوع عن الإطار الموضوعي، وربطت بين هذا الخلل والقصور الإداري والبشري الذي لابد وأن تعترف به الخطوط السعودية، وتحاسب عليه بقوة من قِبل السلطات المسؤولة هنا في المملكة، وبين ما أسمته تلك الفضائيات "بالموقف السعودي المتعاطف مع الرئيس السابق حسني مبارك".. حيث اعتبرت أن ما حدث للمعتمرين المصريين لم يكن مجرد تأخير أو خلل في التنظيم.. وفي كفاءة الأداء لخطوط تجارية لا علاقة لها بأي شأن سياسي.. من نوع أو آخر وإنما هو كما قالت الفضائيات المصرية - سامحها الله - تعبيراً عن استياء المملكة (هكذا) من موقف الشعب المصري من قيادته السابقة.. (تصوروا)! ** ليس هذا فحسب.. بل ان بعض تلك القنوات حاولت الإساءة عمداً إلى العلاقات بين الشعبين.. وصورت الأمر على أنه إهانة متعمدة للشعب المصري من قِبل الشعب السعودي.. ونسبوا إلى بعض موظفي الجوازات أقوالاً وتساؤلات.. واعتراضات على ما يحدث في مصر على حد قول مقدمي هذه البرامج وضيوفها الذين أظهروا الكثير من التحامل، والتشكيك في النوايا، والربط بين وضعهم في المطار، وبين ما أسموه موقفاً سعودياً معطين بذلك انطباعاً بأن الدولة والشعب السعودي ضد مصر، وضد الشعب المصري. ** وللحقيقة.. فإن الإعلام المصري الذي صور الأمور على هذا النحو "الظالم" والمثير لحفائظ الأخوة في جمهورية مصر العربية ضد المملكة وضد الشعب السعودي.. قد جاء مغايراً لموقف الرسميين المصريين الذين أوضحوا الحقيقة وحصروها في إطارها الصحيح. ** غير أن هذا النوع من الشحن الإعلامي المتكرر.. فضلاً عن أنه سلوك غير حضاري.. فإنه سلوك سلبي له انعكاسات خطيرة على مشاعر شعبين.. يكنان لبعضهما كل المودة، ويرتبطان ببعضهما بعضاً على مدى أزمنة طويلة في مصاهرة وروابط إنسانية واسعة. ** كما أن هذا النوع من الطرح الإعلامي.. ينافي أبسط قواعد المهنية التي تتحرى الحقيقة.. ولا تخرج تناولاتها عن الإطار الموضوعي. ** والأخطر من ذلك أنه "يُخبِّثُ" النفوس، ويؤلبها، ويشحنها ضد بعضها البعض، في وقت كان على الإعلام المصري أن يسعى إلى عكس ذلك ولا يصور الأمور على غير ما هي عليه، ويعطيها أبعاداً سياسية غير حقيقية، وغير أمينة، وضارة بعلاقات شعبين عربيين جمعتهما الكثير من القواسم العربية المشتركة العظمى.. ووحدت خطواتهما مصالح قوية راسخة، وعميقة، وكان على الإعلام في البلدين أن يعمل على تطويرها، وليس إلى تدميرها كما فعلت وتفعل بعض هذه القنوات التليفزيونية التجارية. ** وإذا كان هناك ما آلمني أكثر من غيره.. فهو صدور تلك الحملات من بعض الوجوه الإعلامية "المسيسة" التي يفترض فيها أن تكون أكثر أمانة في نقل الحقيقة، وأشد حرصاً على تعزيز وتوثيق الروابط بين الشعبين والبلدين والبعد عن "التضخيم" و"التهويل".. وتصوير الأمور بمثل تلك الصورة المشوشة، والمثيرة. ** وما أتمناه هو.. ألا تمر هذه الحملات مرور الكرام.. لأننا بلدان وشعبان شقيقان ويجب أن نحافظ على الحد الأعلى من التقارب الحسي، والذهني، والنفسي، فيما بيننا في وقت تتعرض فيه منطقتنا لمؤامرات حقيقية.. تفرض على وسائل الإعلام والمفكرين وأهل الرأي والسياسة من النخب المحترمة أن يكونوا عوامل بناء، وترابط، وتآخ.. وليس العكس.. *** ضمير مستتر العقلاء، والشرفاء، هم الذين يبنون ولا يهدمون، ويعززون الأواصر، ولا يفككونها، ويعالجون الأخطاء.. بدلاً من استثارة مشاعر الناس وتأليبهم]