الكمبوشة لمن لا يعرفها هي الصندوق الذي كان يوضع قديماً في مقدمة المسرح ليتيح للملّقِن من خلاله توجيه الممثلين بالحركة وتذكيرهم بالحوار، وقد أزيحت عن خشبة المسرح في السنوات الأخيرة؛ لما تسببه من تغييب للعفوية في أداء الممثلين، وإحراج للمخرج؛ خصوصاً حين يسمع الجمهور صوت الملقن، وينصرف الممثلون له. تذكرت "الكمبوشة" وأنا أشاهد الحوار الذي قدمته "لاين سبورت" مع مدرب المنتخب السعودي ريكارد بحضور مدير المنتخبات محمد المسحل، والمساعد الفني عبداللطيف الحسيني، والأخير كان حضوره مفاجئاً؛ إذ لم يتم التنويه عن مشاركته في الخبر الذي بثته القناة، وكان السؤال الذي يطرحه الكثيرون قبل بدء الحلقة يتمحور حول أهمية وجود المساعد في ظل حضور رأسي الجهازين الإداري والفني؛ لكن ما أن بدأ الحوار حتى تبددت كل سحب المفاجأة. الحسيني الذي انضم متأخراً للطاقم الفني كمساعد لريكارد من بين مجموعة مساعدين بدا واضحاً أنه حضر للحلقة للقيام بدور الملّقِن، على طريقة الملّقِن المسرحي، بيد أن الفرق بينهما أن الأخير كان يقوم بأدواره مختبئاً تحت "الكمبوشة" ؛ كي لا يؤثر على سير المسرحية وعفويتها، بينما كان الحسيني يقوم بهذا الدور من فوقها شاهراً ظاهراً، إذ كثيراً ما تداخل في الحوار بطريقة فجّة. إلى حد أنه كان يختطف الإجابات من فم المدرب الهولندي، وفي بعض الأحيان يلقمه إياها، بل إنه في أحيان أخرى لا يتيح الفرصة له حتى لسماع ترجمة السؤال. الأعظم من ذلك أن الحسيني كان مُستَّفزاً طوال الحوار، وهو ما بدا واضحاً ليس في إجاباته المتشنجة بل حتى في تعابير وجهه، إذ بدت قسماته تنضح بالتوتر، فضلاً عن محاولاته لتسخيف بعض الأسئلة، والتقليل من قيمتها، هذا على الرغم من أنه لم يكن المعني مباشرة بالأمر؛ إذ كل الأنظار كانت مسلّطة على المدرب والمدير. على عكس الحسيني كان ريكارد الذي بدا هادئاً ومستوعباً لكل الأمور من حوله، بما فيها حالة التشنج الجماهيرية والإعلامية إزاء الخسارة الثقيلة من استراليا، بل حتى في قضية محمد نور فقد أظهر تفهماً لردود الأفعال حتى العنيفة منها، وكانت إجابته حول إمكانية عودته تعبر عن ثقة متناهية، ومهنية فائقة، كما لم يتردد لحظة في إيضاح تفهمه لطوفان الانتقادات الذي يتعرض له؛ معتبراً ذلك حقاً مشروعاً، ومثله إلى حد قريب كان محمد المسحل الذي وإن ارتفع إيقاع صوته في بعض الإجابات؛ لكنه ظل ممسكاً بزمام الهدوء حتى آخر الحلقة. في اعتقادي يخطئ الحسيني –الذي نحترم رزانته ونقدِّر كفاءته- إن كان يظن بأنه بمثل تلك الممارسة قد ذاد عن ريكارد، وحمى المسحل من غضبة الشارع الرياضي، بل على العكس فقد أظهر بتمثله لدور "البودي غارد" تعاطياً لا يليق به، ولا يعبر عن أدنى درجات المهنية، بل إنه كرّس عند البعض–للأسف- تهمة التدخلات في عمل المدرب وفرض القناعات عليه، وقد عزّز هذه القناعة ظهور ريكارد بملامح بريئة ما جعلهم يحسبونه "أطرش في الزفة" وهو لم يكن كذلك!