لم يعد سراً أن ممثلين سعوديين يهجرون المشاركة في الأعمال المحلية عاماً بعد عام لصالح فرص الاشتراك في مسلسلات خليجية أو عربية. البعض ذهب إلى هناك، تحقيقا لوجوده الفني، بعد أن تغلبت على ساحة الإنتاج المحلي حالة "الشللية" التي يقودها المنتجون الممثلون أو أقرانهم من المخرجين المنتجين، المنعمين بكعكة التعميد الشبه "مؤممة" سنويا. خزنة.. وليلة هروب! ظاهرة هجرة الممثلين لم تبدأ الآن وإنما بدأت فعليا بعد انسداد الأفق وانهيار تجارب درامية مهمة في المشهد الدرامي السعودي، كتجربة الأعمال التي أنتجت في تلفزيوني الدماموجدة، بين سبعينيات وتسعينيات القرن العشرين. إذ أدى سحب الإنتاج الدرامي من كلا التلفزيونين في التسعينيات؛ إلى القضاء على نكهتين دراميتين محببتين، لا يمكن للمشاهد السعودي أي ينساهما؛ كتجربة الدراما الشرقاوي مع مسلسلات ك(خزنة) و(حامض حلو) وهو ما حدث مع تجربة تلفزيون جدة والأعمال الدرامية في المنطقة الغربية، مع مسلسل (ليلة هروب) على سبيل المثال. لقد أدى ضعف وتوقف الإنتاج في هاتين التجربتين الدراميتين (الشرقاوية والحجازية)، إلى تشرذم نجوم الحركة الدرامية في ضفتي المشهد الدرامي المحلي؛ الأمر الذي دفع الممثل "الشرقاوي" إلى البحث عن فرصة "حضور" مبكر في الدراما الأقرب، جغرافيا وثقافيا وهي الدراما الخليجية؛ هكذا وجد عبد المحسن النمر وسعيد قريش وابراهيم الحساوي وآخرين أنفسهم بين مسلسلات بحرينية وكويتية، كلٌ حسب جدارته ومثابرته في الظفر بموقع متقدم في سلم البروز الخليجي، ك (علي السبع الذي مثل في الدراما الخليجية والمصرية في آن) ؛ أما من لم يلتحق بالمسلسلات الخليجية، بعد توقف الإنتاج عن تلفزيون الدمام آنذاك وقرر انتظار تعميد القناة الأولى، فإنه حكم على مستقبله الفني بالمخاطرة وهو ما حدث مع كثيرين وإن بنسب متفاوتة، بعضهم اختفى من الساحة بعد أن كان في زمنه، واحداً من أبرز الوجوه الكوميدية السعودية (إبراهيم جبر). وكذلك كان ظهور فؤاد ومحمد بخش وخالد الحربي وآخرين، كممثلين سعوديين باللهجة المصرية في مسلسلات مصرية خلال التسعينيات، لنفس السبب الإنتاجي "تقريبا" أي على أنقاض انهيار تجربة الدراما الحجازية المهمة. فؤاد بخش أكبر المهاجرين الى مصر أحلام النجومية هكذا إذن، ثمة سبب إنتاجي مبكر ورئيسي، يعود في جذوره إلى غياب ظاهرتي الدراما الشرقاوية والغربية؛ إلى جانب رغبة الممثل السعودي في تحقيق وجوده الفني، من خلال الدخول في بيئات إنتاجية أكثر احترافية وأوسع جمهورا، كالدراما المصرية والخليجية (محمد العيسى يعد مثالا حديثا، بغض النظر عن نجاح أو فشل تجربته في "سعيد الحظ")؛ أما على المستوى العربي، ففي السنوات الثلاث الأخيرة، استطاع عبد المحسن النمر، التدرج "عصاميا"، من دور البطولة الثانوية في المسلسل البدوية (فنجان الدم) إلى البطولة الرئيسية في (أبواب الغيم) ليتوج هذا العام بالبطولة الكبرى والشخصية التي تدور حولها الحكاية في مسلسل (توق)؛ ولأن هذا النجاح لن يحدث أبدا، لو بقي النمر في انتظار دورٍ منصفٍ لقدراته الفنية العالية في الدراما المحلية ولما تفجرت قدراته، كما نشاهدها اليوم في الدراما العربية، علما أن الدراما السورية عرضت على عبد المحسن النمر، تجسيد بطولات في أعمال درامية سورية، إلا أنه رفض لأسباب فنية تتعلق على الأغلب باللهجة، مكتفيا بتجسيد الشخوص البدوية في بيئة الإنتاج السورية؛ فضلا عن أن شروط الإنتاج السورية المتقدمة، بلا شك سوف تسهم في إبراز أي فنان يشارك حتى لو بشخصية درامية ثانية، كما شاهدنا إبراهيم الحساوي في مسلسل "توق" البدوي. عبدالمحسن النمر وخالد الحربي في أحد الأعمال موجة جديدة والمفارقة أن ظاهرة "نزوح" الممثلين، لم تعد حصرا على مرحلة أو جيل التسعينيات وإنما انتقلت إلى جيل الشباب، مع طلال السدر وأحمد الحسن، على سبيل المثال، دون أن نغفل عن أن ثمة اعتبارات "ليست بالضرورة مهنية" قد لعبت في ظهور عدد من الممثلين السعوديين الشباب في الدراما الخليجية، وهي بلا ريب، ظروف أسهل من تلك التي كابدها جيل فؤاد بخش وعلي السبع. الأفق المسدود صحيحٌ أننا نعيش في زمنٍ أكثر انفتاحا وتداخلا، من حيث "تشاركية" الممثلين بين أكثر من بلد، كما يحدث بين المسلسلات الخليجية والسورية والمصرية، لأسباب إنتاجية محضة، إن كان لنقص الممثلين في بعض المسلسلات وبالتالي الطلب من ممثل آخر المشاركة، أو أيضا لأسباب تسويقية، كما شاهدنا جمال سليمان بعد نجاحه في مصر، وأيضا في مشاركة محمد المنصور في مسلسل "شوية أمل"، غير أن الوضع مختلفٌ مع حالة الممثل السعودي والذي لا يحظى أبدا بظروف إنتاج أعمال درامية كالتي تنتج في الخليج على الأقل، إن كان على مستوى الكم المنخفض أو لهيمنة المنتجين/ الممثلين على أنفاس الدراما المحلية، دون الدفع بتطوير الأعمال المحلية إلى الأمام، يكفينا أن نقارن الدراما السعودية على مستوى القيمة، بين ما قدم في الثمانينيات والتسعينيات، وما يقدم اليوم، لنرى الحجم الكبير من الاختلال الفني والقيمي الذي تعيشه كثير من الأعمال السعودية الحالية، رغم تطور تقنيات التصوير والإخراج والتي بأي حال من الأحوال، لم تستطع أن تأخذ مكان روائع درامية، كالتي قدمها الراحل محمد العلي والقدير محمد حمزة. هكذا إذن، تكون بيئة الإنتاج المحلية طاردة، وفق الآلية التجارية التي انصاعت لها الحركة الفنية، من خلال "تخمة" التعاميد الإنتاجية والتي لم تقدم أعمالا تستقر في الذاكرة ولم تحافظ آلية عملها، على الممثلين السعوديين، من الخروج بعودة أو بلاعودة!. محمد حمزة