رئيس الأركان المنصرف، موشيه يعلون سيسجل كأحد رؤساء الأركان الأفضل الذين كانوا للجيش الإسرائيلي. فيعلون هو رئيس الأركان الذي ألقي على عاتقه بالعبء المتواصل الأشد بين حروب إسرائيل منذ حرب الاستقلال.. على رئيس الأركان حاييم بارليف القيت مهمة إدارة حرب استنزاف شديدة في بداية السبعينات.. ولكن هذه كانت حرباً ضد جيوش نظامية على الحدود.. خطوط القتال في المواجهة التي أدارها يعلون، وكذا سلفه شاؤول موفاز، كانت في نطاق الجبهة الداخلية المدنية، ضد انتحاريين فلسطينيين.. وفي هذه الحرب تكبد السكان الإسرائيليون خسائر أكثر من أي حرب سابقة، باستثناء حرب الاستقلال.. فقد كان الهدف هو القاء الرعب في المجتمع الإسرائيلي ودفعه إلى الانهيار. من يشبه وضع إسرائيل قبل بضع سنوات فقط - حين كان الناس في حينه يغلقون أبوابهم على أنفسهم خوفاً من العمليات وكان الاقتصاد على شفا الانهيار - بالوضع اليوم سيستنتج ان الانجازات العسكرية لإسرائيل وقوة قدرتها على الصمود في هذه الحرب كانت مثيرة للانطباع.. منظمات الإرهاب توجد اليوم في حالة فرار ودفاع عن النفس. فهل ستعرف القيادة السياسية كيف تستغل ذلك كما ينبغي؟ هذه مسألة أخرى.. في القيادة السياسية - العسكرية كانت جدالات، ولم تقر دوماً توصيات يعلون.. فقد أيد يعلون انفتاحية أكبر في فترة ولاية عباس في رئاسة الوزراء الفلسطيني.. وعارض الهجوم على المقاطعة، الذي توقف في النهاية بتدخل أميركي.. واقترح تجربة المفاوضات في المسار السوري فرد أرئيل شارون اقتراحه.. وعارض اقتراح شارون اطلاق نار مدفعية دون تمييز في غزة، وتمكن من التأثير على رئيس الوزراء.. يعلون لم يعارض خط فك الارتباط، ولكنه عارض طريقة إدارتها.. فقد دعا انه في مفاوضات سليمة يمكن تلقي مقابل لمثل هذه الخطوة.. وقد غضب من أن دوره كرئيس أركان قد أوقف قبل تنفيذ الخطة، ولكن يحتمل أن يتبين أن له حظاً في هذا الشأن بالذات. الإنجازات العسكرية في الحرب ضد الإرهاب يمكن قياسها بأشكال أخرى، وليس فقط بالمقارنة مع الوضع في العراق.. فمثلاً، انخفض الانفاق المباشر على القتال من 1,8 مليار شيقل في العام 2002 إلى نحو مليار شيقل في العام ,2004. وفي مناطق الضفة يكاد لا يكون هناك دبابات قيد العمل. القتال في معظمه أداره الجيش النظامي.. نحو 45 في المائة من الكتائب القتالية في الاحتياط لم تستدع للعمل في العام 2004، وتلك التي خدمت فعلت ذلك أساساً للحلول محل وحدات نظامية.. مستوى الحياة في الجيش الإسرائيلي انخفض في فترة القتال عقب تقليصات هامة.. ويعرف الضالعون بالأمر كم تجرأ الجيش الإسرائيلي في ازاحة مئات الدبابات عن نظام القوات.. وكان للتكنولوجيا المتقدمة دور هام في هذه الحرب.. فقد أصر يعلون على إقامة قسم التصنت.. وقد اتاح هذا للجيش الإسرائيلي ان يحقق ما تجد جيوش أخرى صعوبة في تحقيقه في الحرب ضد الإرهاب.. من خطابه الوداعي يظهر بوضوح انه في الآونة الأخيرة يكرس يعلون الكثير من وقته لقراءة مذكرات بن غوريون وقراءة القصائد.. وحقيقة كونه ابنا لناجية من الكارثة تؤكد لديه الاحساس بالمسؤولية الملقاة على إسرائيل لمواصلة وجود الشعب اليهودي.. وبتقديره، فإنه تحيق بإسرائيل والشعب اليهودي تهديدات مختلفة في المستقبل.. هو الآخر يخشى اندماج الديمغرافيا السلبية للإرهاب.. لا القنبلة النووية الايرانية بحد ذاتها تقلقه بل كونها في يد نظام متطرف، يدعم الإرهاب، يهز الاستقرار في المنطقة ويهدد إسرائيل. صحيفة هآرتس