في حمى اكتساح هتلر الدول الأوروبية في الحرب العالمية الثانية، كان أكثر من تغنى في بطولاته هم العرب عندما كان أكثر من ثلثيْ المنطقة تحت الاستعمار الأوروبي، بزعم أن هذا القائد سيكون محررهم من الاحتلال، وربما لم يعلموا أن التصنيف الذي وضعه للشعوب أعطى العرب المرتبة ما قبل الأخيرة مع زنوج أفريقيا!.. المشكل في التفكير حين يتحول إلى سذاجة تامة، فأحداث بريطانيا الحالية، وقبلها المظاهرات في المدن الغربية، فُسرت بمنطق مضحك من قبل إيران وليبيا، فالأولى طالبت تدخل مجلس الأمن لحماية العزل من عنف الشرطة البريطانية، بينما المسؤول الليبي طالب رئيس الوزراء البريطاني بالرحيل لأنه فقد شرعيته!.. بريطانيا ليست بريئة طيلة تاريخها، لكنها أكبر ديمقراطية مؤسسة على العدالة، ولايعني تصرفها مع المتظاهرين أنه مبرر، لأن الأصوات التي جاءت من الداخل انتقدت تجاوز القانون وطالبت بتحليل الأسباب التي فجرت الشباب الغاضب ليحرق وينهب كلّ ما تطاله يده، والتحقيق مع كل الأطياف.. الأمر ليس بالتبسيط الساذج، فتفاوت الدخول، ونشوء طبقات فقيرة مهمشة أديا إلى سوابق مماثلة في قلاع الدول الديمقراطية حتى إن فرنسا وإيطاليا، واليونان من أكثر الدول التي تعرضت لحالات اضطراب، لكن المعالجة تختلف عما يحدث وحدث في إيران وليبيا لتفاوت الدساتير، وعمق التشريعات التي تحاسب بصرف النظر عن موقع أي إنسان ورتبته في المجتمع، كذلك الأمر في إسرائيل فهي دولة ديمقراطية حاكمت مسؤولين ، ورؤساء وزارات على تجاوزاتهم وأعفتهم من مناصبهم، لكن هذا لم يحدث إلا في حال انقلاب عسكري على سلطة يجرَّم مسؤولوها، ويقادون للمحاكم العسكرية لا المدنية، ويعاقبون بأوامر الزعيم لا تشريعات القانون، والأمر الوحيد الذي حدث في المرحلة الراهنة هو محاكمة الرئيس حسني مبارك وأنجاله وأعضاء حكومته.. ما يجري في بريطانيا، وكذلك إسرائيل ليس من قبيل زحف ربيع الثورات العربية عليهما، بل السبب هو وحشية الرأسمالية التي عجزت عن فرض المساواة تحت ذريعة إطلاق الحرية الفردية، والدليل أن ذيول الأزمة المالية الحالية قد تُفجر أكثر الدول التي تنهج اقتصاداً غير عادل تسبّب في خلق عوامل الفساد، لكن أن نأخذها بنفس التفسير لما يحدث عربياً، فذلك يعد تجاوزاً للعقل والمنطق.. فبريطانيا ليست لديها مشكلة مع الجاليات المستوطنة والمندمجة في نسيج المجتمع، بل تحملت عبء شخصيات معارضة لبلدانها آوتها وحفظت حقوقها، ثم إن نظامها الاجتماعي ظل مثالياً في منح العاطلين واللاجئين بسبب سياسي رواتب خاصة، وهذا الأمر معروف وليس تزكية لإغماض العيون عن سياساتها الخارجية، وجعل المصلحة فوق الشرائع والقوانين عندما تتصرف بعقلية القوة الغاشمة. عموماً لاهتلر كان بطلاً وحقق للعرب استقلالهم، ولابريطانيا سترى زحف الجماهير والاعتصام في ميادينها لتحرير إرادتها، وحتى إسرائيل قادرة على التغلب على مصاعب زيادة الأسعار، وارتفاع قيم وإيجارات المساكن، لكن يبقى تفسيرنا للأحداث ساذجاً ومبرراً لطمس مشكلاتنا عن الحلول الصحيحة..