مازال يذكر «علي حسين المسلمي» تلك اللحظات الصعبة التي انتهت بفقده للبصر.. حينما كان ابن اثني عشر ربيعاً، يلعب مع أطفال الحي بكل سعادة، فيما لحظات السواد بدأت دون مقدمات تعم عينيه التي لم يعرف ماذا حدث له، ليسرع والده به إلى المستشفى ليخبره الأطباء أن انفصالاً في شبكية العين أصاب ابنه،ليصطحبه والده إلى مستشفى الملك خالد التخصصي للعيون في الرياض، ثم ليعرف بأن ابنه أصبح في عداد الفاقدين للبصر من المكفوفين وأصبحت العصا البيضاء رفيقته الأولى. إصرار على النجاح فقدان «علي» لبصره كان حدثاً وقع كالصاعقة على أسرته، وعاش والداه أياماً عصيبة ومؤلمة، إلاّ أنه لم يكن كذلك!. ويحكي «علي» كيف أن والداه كانا يحاولان أن يخفيا عنه ألمهم وحزنهم، ويؤكد أنه كان يستشعر ذلك الألم، إلاّ أنه أصر على أن يحقق في الحياة شيئاً كبيراً حتى تعلم وتفوق على المبصرين من الطلاب، متنقلاً من قريته البطالية إلى مدارس مدينة الهفوف، ثم إلى كلية الآداب بجامعة الملك سعود في الرياض، حتى قرر الابتعاث والسفر لإكمال تعليمه العالي وغادر ليعود من الأردن محملاً بالنجاح وحاصلاً على درجة الماجستير في التكنولوجيا التي يستخدمها المكفوفون في التعليم، إلاّ أن الطموح مازال يداعب آماله فتقدم بطلب إلى وزارة التعليم العالي لنيل درجة الدكتوراه في مجال التكنولوجيا، ولكن لم يحدث تجاوب مع طلبه، ومازال ينتظر أن تكون هناك بوادر بمساعدته لإكمال تعليمه من الوزارة!. ولم يكتف بذلك فإلى جانب دراسته الأكاديمية كان حريصاً على التطوير من قدراته الذاتية؛ فحصل على سبع عشرة دورة في مجال اللغة الإنجليزية والبرمجة العصبية ومهارات الاتصال وغيرها الكثير. وعن حبه للعلم يقول إنه حصل قبل خمس سنوات على وظيفة معلم في وزارة التربية والتعليم، إلاّ أن رغبته الجامحة في الحصول على درجة الدراسات العليا هي ما دفعه للتخلي عن الوظيفة لأجل «الماجستير». الظروف الصعبة التي تعرض إليها «علي» كما ساهمت في حرمانه من رؤية النور الذي يسكن في الحياة، لكنها منحته أن يرى الحياة في نور والديه اللذين وقفا بالقرب منه، وقدما له جميع وسائل الدعم سواء المادي أو المعنوي. ..وهنا يسير بالعصا البيضاء معتمداً على نفسه زوجة استثنائية لكن القدر لم يجد عليه بسخاء وجود الوالدين المختلفين في الحياة، بل إنه يجد نفسه محظوظاً بزوجة استثنائية وقفت إلى جانبه وقدمت له الشيء الكثير حتى كانت بمثابة الجبل الصامد الذي دعمه في دراسته بالأردن، وقد أكملت تعليمها معه هناك لتقول له بكل محبة «أنا معك دوماً». يعيش «علي» أجواء رمضانية جميلة؛ فعلى الرغم من فقده للبصر إلاّ أنه مازال يحتفظ بداخل ذاكرته تفاصيل الموائد الشهية ورائحة الشارع حينما يزخر بروائح الأكلات الشعبية قبل موعد الإفطار، لكنه يتذكر أيضاً الأربع سنوات التي تغرب بها وكيف هو طعم رمضان في بلد الغربة، ويتذكر «علي» الفوانيس ذات الأشكال الهلالية التي كانت تعلق في شوارع الأردن في رمضان والتي كانت حاضرة بداخله. صعوبات تعلم المكفوفين في جانب يهم فئة المكفوفين لدينا لفت «علي المسلمي» إلى أن دراسته للماجستير أظهرت له أن الكفيف لدينا يعاني من عدم الحصول على بعض التكنولوجيا لارتفاع أسعارها داعياً إلى ضرورة دعم الكفيف للحصول عليها، وضرب «علي» مثلاً بجهاز السطر الالكتروني (وهو جهاز كمبيوتر بطريقة برايل) الذي يحول كل شيء على الشاشة إلى برايل مبيناً أن قيمته 27 ألف ريال، وبرنامج إبصار (لقراءة كل شيء على الشاشة) قيمته لوحده 6 آلاف ريال. وفي الجانب الآخر دعا نظراءه المكفوفين إلى استخدام العصا البيضاء في حياتهم اليومية وعدم الاعتماد على شخص يساعدهم.