أيقظ شدة الحر ولهيب الشمس هذه الأيام في رمضان ذكريات قبل أن تصل الكهرباء إلى القرى والهجر التي أصبحت في الوقت الحالي محافظات كبيرة تنعم بكافة وسائل الراحة والرفاهية فقبل ما يقارب خمسة وثلاثون عاما وافق شهر رمضان شدة الحر مع طول ساعات نهاره ولقد شاهدت الناس يتسابقون على النخيل حيث الأرض الباردة (حوابيط النخل والجابية) وهي الأرض الرطبة ببقايا ماء السقياء ويبقون فيها يتبادلون الحديث وأخبار الزراعة والمواشي وبعض القصص والأحاديث والبعض يأخذ نعسة خفيفة قبل صلاة العصر أما في بيوت الطين يلجأ البعض إلى غمس الأغطية (الشراشف القطنية) في الماء ومن ثم يلتحف بها بحيث يمر عليها تيار الهواء ومع هذا فأن الناس يمارسون حياتهم العملية كما كانت عليه في غير رمضان رغم ما يتعرضون له من شدة العطش على خلاف ما يحدث اليوم من نوم في النهار وسهر في الليل وما يشاهد على النائمين من ردود فعل بائسة عندما ينقطع التيار الكهربائي لدقائق . ومن ذكريات تلك الفترة ما كان عليه سكان القرى من تواصل وتراحم في شهر الخير والبركة حيث يقوم الجيران بإيقاظ بعضهم لأعداد وتناول وجبة السحور وتبادل الأطعمة والسؤال عن المحتاجين ومن أمثلة التآلف بين المجتمع القروي قيام أصحاب النخيل بتخصيص نخلة مثمرة لكل واحد من جيرانه ويسمونها (مخرافة فلان) كذلك يوجد أستعدادات يقوم بها الأهالي منها تجهيز المساجد ونظافتها ووضع الفرش في الساحات الخارجية لها وتوفير الماء البارد بواسطة الزير أو القربة مع رش الأرض بالماء حتى تصبح باردة وقت صلاة التراويح. ووسط الجمال الديني والروحي تتعالى أصوات الأطفال بالفرحة عندما يطلق مدفع رمضان دويه في أرجاء القرية معلنا لحظة الأفطار حيث يبادله الأطفال بصوت مفرقعات صنعوها بأنفسهم من بارود أعواد الثقاب المحشو في ثقب بقطعة فخار أو في بلف الهواء لإطارات السيارات القديمة كم هي جميلة تلك الأيام رغم قسوتها لقد حفرت في ذاكرة الزمن لدينا أشياء تعتبر من روائع زمن التواصل والتآلف بين المجتمع الواحد.