آثار زلزال اليابان، وما تبعه من تداعيات ارتبطت بالدرجة الأولى بالكارثة النووية المترتبة عن انفجار مفاعلات مجمع فوكوشيما، تساؤلات عدة حول مستقبل الطاقة النووية وسبل إيجاد بدائل آمنة عبر الطاقة المتجددة والبديلة لتحقيق الاستدامة وتجنب كوارث جديدة قد تهدد البشرية، ولا سيّما وأنه حدث في الوقت الذي يشهد فيه العالم تحولاً متسارعاً نحو الاعتماد على الطاقة النووية في محاولة للحد من التغيرات المناخية والاحتباس الحراري. وتباينت آراء العلماء في هذا الصدد، إذ يرى البعض أن أحداث اليابان لن تؤثر بشكل كبير على مستقبل الطاقة النووية، في حين يعتقد آخرون أن ما حصل من شأنه إعاقة نشاط تطوير الطاقة النووية في عدد من الدول تخوفاً من الكوارث المدمرة المماثلة لانفجار فوكوشيما. وفي الآونة الأخيرة، اتسع نطاق استخدام الطاقة النووية في مختلف دول العالم، النامية منها والمتقدمة، كبديل للوقود الأحفوري الذي ينطوي على آثار سلبية مدمرة على البيئة وبالأخص فيما يتعلق بالاحتباس الحراري. ومع النمو المطّرد في التعداد السكاني في العالم، وفي منطقة الشرق الأوسط وشمال إفريقيا على وجه الخصوص التي تعتبر موطن حوالي 6% من إجمالي سكان الأرض مع توقعات بوصول تعدادها السكاني إلى 859 مليون نسمة في عام 2100، ازدادت أهمية الطاقة النووية باعتبارها المصدر الوحيد غير المتجدد لتلبية احتياجات العالم من الكهرباء بتكاليف أقل ودون المساس بسلامة البيئة، مقارنة بالوقود الأحفوري المعتمد اليوم في معظم الدول العربية. وعلى الرغم من أنّ كارثة اليابان لا يمكن النظر إليها كمؤشر لتحديد مستقبل الطاقة النووية نظراً لعدم قدرتنا حالياً على التنبؤ بطبيعة الآثار والنتائج التي قد تظهر لاحقاً، إلاّ أنها أعادت إلى الأذهان كارثة تشرنوبل التي لا تزال إلى الآن مثار جدل واسع بين مؤيد ومعارض. ففي الوقت الذي يؤكد فيه مؤيدو الطاقة النووية بأن المفاعلات باتت أكثر أمناً مقارنةً بمصادر الطاقة الأخرى، وأنّ كارثة اليابان لا تتعدى كونها قضاء وقدرا ونتيجة كارثة طبيعية مدمرة، لا خطأ تكنولوجيا أو بشريا، يركز المعارضون عقب انفجار "فوكوشيما" جهودهم ودعواتهم على ضرورة توظيف الموارد الطبيعية المتجددة مثل الطاقة الشمسية والرياح عوضاً عن الطاقة النووية أو الوقود الأحفوري. وبالفعل استجابت العديد من الحكومات في العالم بما فيها الحكومة الألمانية لهذه الدعوات، فأغلقت سبعة من مفاعلاتها النووية وجمدت قرار تمديد العمل في المفاعلات النووية لديها لمدة 3 أشهر ريثما تجد البديل المناسب، في حين تستمر دول أخرى في سباقها نحو تخصيب الطاقة النووية دون النظر إلى الآثار السلبية التي تطال مختلف المجالات الحيوية. نضال أبو زكي وفي الدول العربية، يمكن القول بأنّ الوضع مغاير تماماً لما هو عليه في الدول المتقدمة. إذ يواصل العالم العربي سعيه إلى دخول غمار تجربة الطاقة النووية التي ازداد الاهتمام بها على مدى السنوات الأخيرة في إطار الجهود الرامية إلى تجنب المشاكل السياسية والاقتصادية والبيئية الناجمة عن مواصلة استخدام المصادر النفطية لتوليد الطاقة، والتي من المتوقع أن تتلاشى في المستقبل القريب نتيجة الطلب المتزايد على الطاقة في المنطقة. ولكن هذا التوجه سيفرض بالتأكيد تحديات جديدة، فعند التحدث عن الطاقة النووية، لا يمكننا تجاهل مخاطر استخداماتها الحربية مع تطور صناعة الأسلحة النووية. كما لا نستطيع الاعتماد على الطاقة النووية دون إيجاد السبل المناسبة للتخلص من النفايات السامة والحد من أضرارها الخطيرة على الصحة العامة وسلامة البيئة، وبالتالي على الإنسان. وعلى الرغم من التطور العلمي، إلاّ أنّ الإشعاعات النووية لا تزال التحدي الأكبر أمام مستقبل الطاقة النووية كونها السبب الرئيسي وراء مختلف الأمراض المميتة، وعلى رأسها مرض السرطان فضلاً عن آثارها السلبية على المزروعات والغذاء والثروة السمكية والبحرية. وعلى الرغم مما سبق، من المتوقع أن يتواصل تخصيب الطاقة النووية لمختلف الاستخدامات، إذ تفيد تقارير متخصصة إلى أنّ مساهمة الطاقة النووية في توليد الكهرباء سترتفع بحدود 7 إلى 8 في المائة بحلول عام 2020، وذلك على أثر وصول عدد المحطات النووية التي تعمل اليوم إلى 426 محطة، فضلاً عن عشرات المحطات الأخرى التي لا تزال قيد الإنشاء. وعقب كارثة اليابان، بدأت تتجه جهود رواد قطاع الصناعة نحو تطوير إمكانيات هذه المفاعلات للصمود في وجه أي نوع من الكوارث الطبيعية لئلا يتكرر سيناريو فوكوشيما في المستقبل. وفي المقابل، لا يزال البعض يؤكد على خطورة استخدام الطاقة النووية وبالأخص عقب فشل اليابان، التي تعد من الدول الأكثر تطوراً في العالم في تأمين سلامة مفاعلاتها النووية، ما يجعل من هذه النقطة أحد المخاوف الرئيسية التي لا يمكن تجاهلها. إذ مهما سعت الدول إلى اتخاذ إجراءات صارمة لضمان سلامة المفاعلات النووية، يمكن لأية مشكلة سواء تقنية أو فنية أو نتيجة كارثة طبيعية، أن تودي بحياة المئات وربما الآلاف وتحدث تلوثاً بيئياً خطيراً وتكبد الدول خسائر اقتصادية فادحة، وخير دليل على ذلك ما حصل في "تشيرنوبل" و"ثري مايل آيلند" فيما مضى. ويشير عدد من المراقبين إلى أنه حتى لو نجحت اليابان في إنعاش "فوكوشيما" من جديد، فإن ما حصل سيعيق من دون شك نشاط توليد الكهرباء المعتمدة على الطاقة النووية في كافة أنحاء العالم، تاركاً بذلك الاحتمالات مفتوحة لإيجاد بديل فوري. وبالتأكيد تمثل العودة لاستخدام الوقود الأحفوري من الفحم والغاز والنفط البديل الأسرع في الوقت الراهن، مما سيعود بالنفع الكبير من الناحية الاقتصادية على قطاع النفط والغاز، وخاصةً في الدول العربية المصدرة للنفط، ولو على الأمد المتوسط. ولكن هل الوقود الأحفوري هو البديل الأنسب من الناحية البيئية؟.. هذا ما يجب على الحكومات كافة النظر إليه قبل اتخاذ قرارات سيكون لها تأثيرات سلبية على الحياة البشرية في المستقبل.. إذاً أثارت كارثة اليابان النووية العديد من التساؤلات والشكوك لتترك الرأي العام منقسماً بين مؤيد ومعارض وتفرض المزيد من الصعوبات على مدى الأعوام القادمة مع قيام العديد من دول العالم بتجميد المشاريع النووية في انتظار معرفة النتائج وإيجاد إستراتيجيات مناسبة لتحديد ملامح مستقبل الطاقة في العالم. وتبقى منطقتنا العربية في صمت، غائبة عن التعامل مع مخاطر استخدامات هذا النوع من الطاقة في سعيها المتواصل إلى الانضمام للدول النووية. ولكن يبقى الهاجس الرئيسي "هل ترسم كارثة فوكوشيما بداية النهاية للطاقة النووية في العالم؟!".