العالم العربي يعاني بشكل جدي من حالة من حالات الترهل الإداري والبيروقراطي والاجتماعي، حيث أصبح العالم العربي مضرب الأمثال في حالات الترهل الإداري المزمن والذي دفع إلى حالة من حالات الترهل الاقتصادي وما يصاحبها من الفقر والبطالة وعدم الكفاءة الإدارية، ليس بعيداً عن المراقبة والمشاهدة أن تشخص جزءا من مسألة العالم العربي، حيث ان أكثر الدراسات والتحليلات لا تجد صعوبة بالقول بأن منطقة العالم العربي تعد واحدة من أكثر مناطق العالم تراجعاً في مجال التنمية سواء التنمية الاقتصادية أو الاجتماعية، حيث ذهبت العديد من الدراسات إلى تسليط الضوء على هذا الجزء من العالم على انه أكثر مناطق العالم نسيانا في مجال التنمية بكل أبعادها، وهنا تعود لأسباب عديدة ومتفرعة تفرع التخصصات ومجال بحثهم وتخصصاتهم، حيث ينسب البعض ظاهرة التخلف في العالم العربي إلى التعليم، والبعض الآخر إلى غياب العدالة الاجتماعية، كما أن البعض الآخر ينسبها إلى الخطط الاقتصادية المرتجلة، والبعض ينسبها إلى التحولات المتتابعة سواء السياسية أو الاقتصادية التي لا تمسح بالتراكم وبالتالي التنمية، وأن هذا التقطع والتحول هو العودة إلى الصفر والانطلاق منه ثم لا تلبث الدول من العودة للصفر من جديد نتيجة التحولات السياسية والاقتصادية. ويوعز البعض هذا التخلف إلى الاختراق الثقافي الغربي، والذي جاء بعد حقبة من الاستعمار الذي تراوح عن ما يزيد عن المائة وخمسين سنة وأقل، وأن هذا التاريخ والإرث الاستعماري تحول من حالة استعمارية مباشرة إلى حالة من حالات الامبريالية والتبعية الاقتصادية والسياسية. والبعض يدفع بحالة التخلف إلى الوجود الإسرائيلي الذي لا يمكن أن يقوم ويستمر إلا على أنقاض التخلف العربي، وعلى أنقاض الخلافات العربية العربية، وعلى أنقاض الحروب الأهلية والانقسامات الوطنية، وعلى أنقاض الانقلابات السياسية، والظلم الاجتماعي والاقتصادي، وعلى أنقاض دول الأقليات المذهبية والعرقية، وعلى أنقاض احياء الطائفية والاختلافات الدينية والعرقية، وأن نموذج لبنان الطائفي أصبح نموذجاً رائعاً لترويجه حيث إسرائيل حيث يعمل على تكريسه في العراق والسودان اليوم، وغداً في دول عربية أخرى ذات أقليات دينية يجري اليوم مفاهيم ونقاشات للمحاصصة الوظيفية على المراكز السياسية والإدارية العليا وهو ما يعرف بلبننة الوطن العربي، وخصوصاً الدول ذات الأقليات العرقية أو الدينية المختلفة. والبعض يطرح مقولة ان المشروع الإسرائيلي لا يمكن أن يعيش ويستمر إلا مع هيمنة غربية داعمة للموقف الإسرائيلي، ولذلك فإن هذه الهيمنة يجب أن تستمر وتنتقل عبر الأطلسي على العالم العربي، ومن هنا جاء التزاوج والتكامل بين المشروع الصهيوني ومشروع النفوذ الغربي، سواء عبر الاستعمار العسكري المباشر أو عبر التفوق السياسي والاقتصادي غير المباشر. إلا أن كل العوامل السابقة الذكر وعلى رغم وجاهة هذه الأطروحات فإنها تسلط الضوء على الآخر وقدرته وفعاليته باقامة واستمرار حالة من حالات التخلف العربي ويبقى السؤال هل هناك من أسباب ذاتية يعيشها العالم العربي اليوم؟!! الجواب.. هناك أسباب ذاتية عديدة إلا أن هذا المقال يعتني بالأسباب الثلاثة الآتية: اولاً: الانغماس بالذاتية إلى حد نبذ الآخر وإبعاده، وهذه الحالة من الانغماس بالذات يمكن أن تتحول إلى حالة من حالات التعصب للرأي، والموقف يصل إلى حد عدم رؤية الآخر بكامله بكل عيوبه ومحاسنه، وهذا ما يعيشه العالم العربي. حالة من حالات التطرف في النظرة الذاتية وتمجيدها دون التمعن بها بالأبعاد السياسية والاجتماعية والاقتصادية، وحيثما يقود مفهوم التعصب للذات إلى نبذ الآخر والتمركز حول الذات الفكرية التي قادها الانفعال الفكري والتسرع السياسي ودخول قليلي الخبرة والمعرفة والفكر معترك الصراع الدولي مما جعل مفهوم العنف هو الخطاب الذي تتلخص به المعركة. ويتحول العنف هو الوسيلة والغاية بحد ذاتها دون أي مستند فكري وفلسفي وتبصر علمي وواقعي بالحالة الحاضرة والمستقبل. ثانياً: هي حالة الانغماس بالآخر ولعلي أقول حالة من حالات التطرف بالانفتاح والليبرالية إلى نبذ الذات الاجتماعية والتاريخية والثقافية والاجتماعية والارتماء بأحضان الآخر، وهنا يعيش العالم العربي على مجموعة من صغار السن والخبرة بالارتماء بأحضان الآخر ثقافياً ومعرفياً ونبذ الذات التاريخية والدينية. ولعله من المحزن الحقيقي أن تجد قليلي الثقافة والمعرفة يتشدقون بنقد الحضارة العربية الإسلامية وتمجيد الآخر الغربي بدون رصيد معرفي بالحضارة العربية والإسلامية أو بالحضارة الاوروبية وبعدها الفلسفي والفكري. وانني أكون في أشد حالات الحزن عندما أجد من هو في مقتبل العمر رجلا كان أو امرأة يتشدق بغير علم عن الحضارة العربية والإسلامية ويمتدح الغرب بدون وعي أو تفكير ويتشدق بأن الارتماء في أحضان الآخر هو الحل السحري الحقيقي وأن عدم استيعابه للحضارة العربية الإسلامية من جانب وعدم استيعابه للحضارة الغربية من جانب آخر يجعل موقفه مضحكا إلى حد الفجيعة. إن حالة من حالات التطرف والليبرالية لا تختلف عندي عن حالة من حالات التعصب للذات كلاهما قد تصل إلى مرحلة الإرهاب. ثالثاً: العالم العربي يعاني بشكل جدي من حالة من حالات الترهل الإداري والبيروقراطي والاجتماعي، حيث أصبح العالم العربي مضرب الأمثال في حالات الترهل الإداري المزمن والذي دفع إلى حالة من حالات الترهل الاقتصادي وما يصاحبها من الفقر والبطالة وعدم الكفاءة الإدارية، وحالة من حالات التباطؤ المعرفي، وحالة من التشوه التعليمي والمنهجي وحالة من حالات الانحراف عن المسلك المنهجي العلمي. إن التطرف للذات والتطرف الليبرالي والترهل البيروقراطي دفع إلى الضعف الاقتصادي الذي قاد للفقر والبطالة والتخلف التعليمي والمنهجي.