الثقافة مسئولية والتزام بقضايا الوطن والإنسان، وواجب المثقف أن ينحاز ويتعاطف ويأخذ خيار الناس في قضاياهم الحياتية، ونضالاتهم الدائمة نحو حياة كريمة، يمتلكون فيها قرار صناعة مستقبلاتهم، وحقهم في معايشة الفرح لقيام مؤسسات تعليمية، وتربوية، واقتصادية تسهم في بناء الأجيال على أنماط المعرفة، وامتلاك أدوات التفكير، والإنتاج، ويعيشون منتج الحداثة لا على أساس استيراده، ولكن على أساس صناعته، وإنتاجه، وتَشَكّل العقول بالفهم والإدراك والممارسة العلمية لتواجه كل أشكال المعوقات، والداءات، والتخلف، بشجاعة، وقدرة على الاجتياز، والتخطي، بل وإخضاع الزمن، وتوظيف المقدرات، وتطويع الظروف لجعل المستقبل حالة ازدهار، وتفتح دائمين. ومسئولية المثقف أن يكون إلى جانب الناس يحمل قضاياهم، ويتولد لديه الإحساس بأحلامهم في العيش، والحرية، والعدالة، والمساواة في كل شئون الحياة، فيكون صوتهم المرتفع، وضمائرهم المرهقة والمعذبة بالقهر، والتفتت، والوجع، وأن يحمل عذاباتهم، ومآسيهم - وما أكثرها، وأشدها، وأثقلها في الوطن العربي- ليوصلها بشجاعة عبر أدواته إلى السلطة التي صمت آذانها عن الشارع، وما يجري فيه، ويعانيه من ويلات الفساد، والبطش، والقهر، والضياع، ودموية الأجهزة المخابراتية القمعية. وأن يتحمل المثقف مسئوليته الوطنية، والأخلاقية، ويكوّن سلطته الذاتية في المواجهة، والانتصار للناس الذي هو جزء منهم، بوصفهم المكوّن الرئيس للوطن كجغرافيا، وتاريخ، وهم من يصنعون تاريخ الأمة، وليس المنتفعين، والانتهازيين، والفاسدين الذين يتعاملون مع أوطانهم وكأنها فنادق، أو موانئ للعبور إلى عوالمهم الخاصة. المحزن، والمؤلم إلى حد الوجع أن الكثير من المثقفين العرب، وبالذات في الأوطان التي تشهد حراكاً شعبياً، وتسيل دماء الناس في شوارعها، وجثث القتلى مهملة على الأرصفة كما أشياء رخيصة لا تصلح للاستعمال، يظهرون على الشاشات التلفزيونية، يبررون، ويسوّغون، ويتهمون، ويسوقون التهم ل"المؤامرة" أحياناً، ولدول الجوار أحياناً أخرى، ولأحزاب وكتل صغيرة في دول تارة ثالثة. بحيث أصبح الشارع العربي يتفهّم، ويعرف الكذب، والدجل، وتكشّفت له حقيقة بعض المثقفين في الوطن العربي، فلم يعد يصدق ما يقولونه، لأن أكثرهم ينطقون بلسان السلطة الاستبدادية لأنهم جزء من المؤسسة الرسمية، أو تحت ظلها لاهثين بإذلال يبعث الشفقة والرثاء خلف منصب، أو امتياز اجتماعي، أو في انتظار المال "والمال شيطان المدينة" أما المسئولية التاريخية للمثقف، والمثقفين تجاه الناس، ونصرة قضاياهم، وحرياتهم، وكراماتهم، فهذا عندهم كذبة كبرى. يسحق الإنسان، يعيش الذل، والجوع، والمرض، والتخلف، والأمية، وإذا حاول أن يرفع صوته المذبوح بكل مآسي الكون، وجد من يستنكر ذلك من بعض المثقفين، بل ويجرمه، ويصفه بالخارج على القانون، والمنتمي إلى جماعات إرهابية، ويردد مقولة الطاغية المجنون في وصف مواطنيه، حيث أطلق عليهم "الجرذان". بعض المثقفين يعيدون تاريخ، وزمن نفاق أحد أجدادهم، حين وقف أمام الفرعون يطربه بقصيدة عاهرة: "ما زلزلت مصر من كيد ألم بها لكنها رقصت من عدلكم طربا" كان يرقص على عذابات، وآلام، ومآسي الآخرين، وكان يمارس النفاق في أبشع صوره، والذين نراهم اليوم امتداد لحفلات الرقص على أوجاع الناس. الثقافة سلوك ومسئولية أخلاقية.