ذكرت في القسم الأول من هذا المقال الأكاذيب التي يروج لها بعض الحاقدين والموتورين تحت اسم بحوث علمية ومقالات، وسأفند في هذا القسم تلك الأكاذيب من مصادرها التاريخية وأسانيدها، ذلك أن الباحث أو الكاتب الذي يحترم قلمه وقراءه لا ينطلق فيما يكتب إلا من حقائق تدعمها المصادر الموثوقة، لكن أنى للمرجفين والحاقدين ذلك! أما ادعاؤه أن السلفية السعودية: هي المسؤولة عن تقسيم الهند بعد الاستقلال إلى الهند وباكستان تلافيا للمذابح التي بدأها السلفيون الهنود ضد الهندوس! فإن ما يكذب ذلك هو أن ارهاصات الانفصال، والدعوة إليه بدأت قبل توحيد المملكة السعودية؛ وكانت بريطانيا هي من قام بالتقسيم إن الحديث الذي نصه (اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا وفِي يَمَنِنَا. قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ : اللَّهُمَّ بَارِكْ لَنَا فِي شَأْمِنَا وفِي يَمَنِنَا. قَالُوا: وَفِي نَجْدِنَا؟ قَالَ: هُنَاكَ الزَّلاَزِلُ وَالْفِتَنُ، وَبِهَا يَطْلُعُ قَرْنُ الشَّيْطَانِ) من المعلوم أن ما ورد في الكتاب أو السنة من النصوص التي فيها تفضيل بعض الأماكن أو الأقوام على بعض، لا يعني ذلك تفضيلا لكل من انتسب إلى ذلك المكان، على غيرهم من البشر، وكذلك ما ورد في النصوص من ذم بعض الأماكن، وذكر ما فيها من الشر، لا يعني ذلك انتقاص جميع من ينتمي إلى ذلك المكان، وليس في لفظ الحديث ذم لأهل (نجد) وساكنيها، وإنما فيه ذكر الفتن والشرور التي ستقع وتخرج من الشرق مطلقا سواء أكانت نجداً أم العراق.، ولا يعني ذلك ذمَّ الساكنين مطلقا، وإلا لجاز أن يكون الرسول صلى الله عليه وسلم ذم أهل المدينة بقوله لأصحابه: (إِنِّي لَأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ) رواه البخاري (1878) كما فسره بعض أهل العلم أيضا بالفتن التي تحدث في (العراق)، فهي في جهة المشرق عموما بالنسبة لمن في الحجاز، فإن كل منطقة مرتفعة بالنسبة لغيرها تسمى نجدا، وقد شملها بعض الصحابة في فهمهم لهذا الحديث فعن سَالِمَ بْنَ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُمَرَ قال: (يَا أَهْلَ الْعِرَاقِ! مَا أَسْأَلَكُمْ عَنْ الصَّغِيرَةِ وَأَرْكَبَكُمْ لِلْكَبِيرَةِ ! سَمِعْتُ أَبِي عَبْدَ اللَّهِ بْنَ عُمَرَ يَقُولُ : سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يَقُولُ: إِنَّ الْفِتْنَةَ تَجِيءُ مِنْ هَاهُنَا - وَأَوْمَأَ بِيَدِهِ نَحْوَ الْمَشْرِقِ - مِنْ حَيْثُ يَطْلُعُ قَرْنَا الشَّيْطَانِ، وَأَنْتُمْ يَضْرِبُ بَعْضُكُمْ رِقَابَ بَعْضٍ. وإن الزعم بأن النجديين هم من بدأ حروب الردة تكذبه روايات تاريخية عديدة؛ دلت على أن معظم القبائل العربية التي حاربها أبو بكر لم يكن بسبب ردتها عن الدين، وإنما بسبب رفضها دفع الزكاة. ولهذا فقد بدأها أبو بكر بالحرب، فعقد أحد عشر لواءً لقتال المُرْتدِّيْن في كل أنحاء الجزيرة العربية وليس في نجد وحدها كما يدعي، فقد أرسل خالد بن الوليد إلى اليمامة، وعكرمة بن أبي جهل إلى مسيلمة الكذاب في اليمامة أيضا، والمهاجر بن أبي أمية إلى حضرموت واليمن، وعمرو بن العاص إلى قضاعة في الشمال، وخالد بن سعيد بن العاص إلى مشارف الشام، وغيرهم. وكان عمر بن الخطاب رفض قتال المرتدين لكن أبا بكر أصر على قتالهم قائلا: (والله لو منعوني عقالا كانوا يؤدونه إلى رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم لقاتلتهم على منعه)! أما قوله إن الفتوحات الإسلامية لم تكن إلا للتخلص من قوة النجديين الحربية وإزعاجهم، فقول فيه مغالطة تاريخية ودينية كبيرة ؛ فهل يصدق عاقل أن الفتوحات التي عمت مناطق كثيرة في العالم الإسلامي شرقا وغربا ونشرت الإسلام في ربوعها، لم تكن إلا للتخلص من قوة النجديين؟ وأما قوله إن النجديين هم من أشعلوا الفتنة الكبرى، وحاصروا عثمان وقتلوه، طمعا في أرض السواد! فإنما يصدر عن رغبة جامحة في التزييف والتضليل، فمن منا لا يعلم أسباب الفتنة وأصحابها وقاتلي عثمان؟ يروي الطبري في تاريخه ( ج 2 / 619 – 620 ) أن الثورة مثلتها طائفة من الناس انطلقت من مصر والبصرة والكوفة، وكان في مصر ثلاثة من رؤوس الفتنة، هم محمد بن أبي بكر، ومحمد بن أبي حنيفة الذي رباه عثمان في داره، وعبدالله بن سبأ. أما الذي قتله فالراجح أنه رجل من مصر يدعى جبلة بن الأيهم، وقد عثرتُ على أربع روايات صحيحة الأسانيد تثبت ذلك؛ رواها كنانة مولى صفية بنت حيي، مفادها أنّ كنانة قال إنه رأى قاتل عثمان، وهو من أهل مصر يقال له جبلة بن الأيهم، قتله وخرج يصيح : أنا قاتل نعثل ! أي عثمان، وهو لقب أطلقه الأشرار على عثمان بن عفان، شبهوه برجل مصري طويل اللحية يسمى نعثلا. والنعثل ذكر الضباع. (الخلفاء الراشدون / الذهبي ص257 ). كما ثبت عن الحسن البصري، وهو شاهد عيان، وكان عمره وقت الفتنة أربع عشرة سنة، عندما سئل : ( أكان فيمن قتل عثمان أحد من المهاجرين والأنصار؟) فقال : لا، كانوا أعلاجا من مصر )( الطبقات الكبرى 3/ 38 -84 ورجال إسنادة ثقات ) ! ويروي ابن كثير أن من أسباب تألب الأحزاب على عثمان ظهور ابن سبأ وذهابه إلى مصر، وإذاعته بين الناس كلاما اخترعه من عند نفسه، فافتتن به بشر كثير من أهل مصر... وبعد مقتل عثمان عاثت جيوش الخوارج فسادا في المدينة، وكان المسيطر الفعلي أمير خوارج مصر، الغافقي بن حرب العكلي وابن سبأ. ( البداية والنهاية 7/ 197 و198 )! و قد ذكرت كثير من المصادر التاريخية أن ابن سبأ و أصحابه كان لهم دور كبير في نشر الأفكار الضالة و الأباطيل بين المسلمين و تحريضهم على عثمان و قتله، لكن بعض الباحثين المعاصرين شككوا في ذلك،و زعموا أن ابن سبأ شخصية مختلقة لا وجود لها، و أن الأخباري سيف بن عمر التميمي ضعيف و هو الذي روى أخباره و انفرد بها عن غيره من الرواة،لقد تتبعتُ أخبار ابن سبأ و السبئية في مصنفات التاريخ و التراجم و علم الجرح و التعديل و غيرها من المصنفات، فعثرتُ على شواهد كثيرة تؤكد وجود عبد الله بن سبأ و طائفته، و أن سيف بن عمر لم ينفرد بذكره. وشواهد ذلك كثيرة منها قول الشاعر الأعشى : الهمداني (ت 83هجرية) في المختار الثقفي و أصحابه من أهل الكوفة، عندما هجاهم وصفهم بأنهم سبئية، في قوله : شهدتُ عليكم أنكم سبئية + وإني بكم يا شرطة الكفرِ عارفُ (يُنظر في أسباب الفتنة وقتلة عثمان، كتاب: فتنة مقتل عثمان، علي الصلابي، دار الجوزي القاهرة 2007. وبحوث حول الخلافة والفتنة الكبرى / دراسة نقدية تمحيصية وفق منهج علم الجرح والتعديل، إسنادا ومتناً / خالد كبير علال / الجزائر )! ويأتي ادعاؤه بأن النجديين هم القرامطة في قوله: (ثم ما لبث أعراب نجد أن اشتعلت ثورتهم هادرة تحت اسم القرامطة....) ليؤكد أكاذيبه النابعة من حقد متأصل يكشف عن عجز في إيراد دليل واحد يؤكد به زعمه، كما يكشف عن كم كبير من الاجتراء والتقول والإمعان في الأضاليل التي يكذبها التاريخ. فالقرامطة فئة من الفرق الباطنية المتطرفة، وكانوا يظهرون الرفض ويبطنون الكفر، وصرح ابن الجوزي أنهم فرقة من الزنادقة الملاحدة من الفرس الذين يعتقدون نبوة زرادِشت. وينسبون إلى حمدان بن الأشعث الملقب بقرمط الذي قدم من خوزستان ونزل بموضع في الكوفة حوالي سنة 273 وتظاهر بالزهد والورع والتقشف وهذا يؤكد انتماء القرامطة لفارس وليس لنجد! ولكي يمعن في التضليل يزعم أن النجديين ما لبثوا أن خرجوا على علي وقتلوه وأصبح اسمهم الخوارج، كما شاركوا الزنج ثورتهم دون إيراد دليل يؤكد هذا الزعم. وهذا شأن الحاقدين الذين لا يردعهم خلق علمي ولا مسلك منهجي من إيراد أكاذيب من السهل على أي قارئ للتاريخ اكتشافها. أما ادعاؤه أن السلفية السعودية: هي المسؤولة عن تقسيم الهند بعد الاستقلال إلى الهند وباكستان تلافيا للمذابح التي بدأها السلفيون الهنود ضد الهندوس! فإن ما يكذب ذلك هو أن ارهاصات الانفصال، والدعوة إليه بدأت قبل توحيد المملكة السعودية؛ وكانت بريطانيا هي من قام بالتقسيم، جاء في موسوعة ويكيبيديا: بدأت فكرة إنشاء دولة لمسلمي الهند في مستهل القرن العشرين، حيث بدأت حركات التحرر، و من أهمها حزب المؤتمر القومي الهندي الذي جمع زعماء الهند المسلمين والهندوس كمحمد علي جناح وأحمد خان وجواهر لال نهرو، وسرعان ما تكشّف للزعماء المسلمين نوايا بعض القيادات الهندوسية كان أبرزها معارضتهم إبقاء اللغة الأردية اللغة الرسمية في بعض القطاعات الحكومية، لذا أسس أحمد خان المؤتمر الإسلامي الذي انبثق عنه في العام 1906م حزب الرابطة الإسلامية الذي دعا إلى قيام دولة للمسلمين، كما قرر محمد علي جناح قطع علاقته بحزب المؤتمر القومي الهندي نهائياً في العام 1920 م، وطالب بحماية دين المسلمين ولغتهم، ثم صعّد مطالبه في عام 1940م بقيام دولة للمسلمين، وبانتهاء عام 1944 اقتربت الهند من الاستقلال وتزايدت المخاوف من الدعوات الانفصالية، وحاول غاندي إقناع محمد علي جناح بالعدول عن توجهاته لكنه فشل، وكان الانفصال في 16 أغسطس/آب 1947 ! وأما الجامعة الإسلامية التي ادعى أن المملكة السعودية أنشأتها في إسلام آباد لتساعد على التحريض على الانقسام، فقد أسست في العام 1980 م - بعد 33 عاما من الانفصال - بدعم من عدد من حكومات الدول الإسلامية من بينها المملكة العربية السعودية,وماليزيا, وجزر المالديف, وتركيا، وباكستان و من منظمة المؤتمر الإسلامي. فليست المملكة كما ادعى هي من أسسها لتنشر السلفية المحرضة على انقسام الهند إلى دولتين. لقد لوحظ أن بعض من يسوقون أنفسهم للرئاسة ينطلقون في برامجهم الانتخابية من الهجوم على بلادنا، وكأني بهم أولئك الحفنة من العرب الذين لا يثبتون ولاءهم للوطن العربي إلا بمهاجمة أمريكا ودول الخليج العربي، وذلك لأن ولاءهم لأوطانهم هو في الأصل محل شك!! والأمر نفسه يحدث معنا فكل من أراد أن يثبت ولاءه لإيران استهدفنا بكلام مشين، ومن هذا ما ورد على لسان محمد سليم العواء، المرشح للرئاسة في إحدى الندوات (لا يجوز لوزير الخارجية المصرى أن يقول إن السعودية هى الشقيقة الكبرى لمصر، فلا شقيقة كبرى للعرب سوى مصر، واللى مش عاجبه يروح حته تانية، وفى دول عندها بترول وفلوس وتجار، ولكن الدول الحقيقية تقاس بقدر مساهمتها في صناعة الحضارة وخدمة الإنسانية والتراث البشري)! وفي قوله هذا ما فيه من سوقية وسفاهة، فكيف لمن يرشح نفسه لمنصب رئيس دولة بحجم مصر أن يبدأ بتلك الترهات؟ ثم ليس هو من يقرر قيمة الأوطان وريادتها واستحقاقاتها، بل الراهن والوقائع الحاضرة هي من يحكم بذلك (فليس الفتى من يقول كان أبي)! ومن العجب أن أحد المقربين من هذا العواء قد اقترح على وزارة التعليم العالي تكريمه في الجناح السعودي في معرض الكتاب الذي كان سيقام في مصر! وقال مرشح آخر إن برنامجه الرئاسي يقوم على (تحرير إرادة مصر، فلا تكون مرهونة لأمريكا والصهونية ودول الخليج) انظروا كيف يجمع بيننا وبين الصهيونية وأمريكا؟! أما الأمين العام لجامعة الدول العربية فقد صرح بُعيد عودته من رحلته لدول الخليج العربي يوم الأربعاء الماضي على قناة دريم - حسب جريدة الجريدة الكويتية - (بأن هناك تعاطفاً في بعض دول الخليج مع الرئيس السابق حسني مبارك خاصة من دولتين رفض ذكر اسمهما، مشيراً إلى أن ذلك يرجع إلى مواقف الرئيس السابق مع هذه الدول والتي كانت أولاً وأخيراً على حساب الشعب المصري... وأوضح أن دول الخليج استفسروا عن طبيعة العلاقات الثنائية بين مصر وايران، ولكن هذا لا يعني تدخلهم في إقامة علاقات مصرية إيرانية، حيث يرجع الأمر بالدرجة الأولى إلى الإرادة المصرية....)! إن لبعض هؤلاء خطابين؛ خطاب للخارج وآخر للداخل المصري! أما نحن فما زلت أؤكد أن خطابنا الإعلامي في الداخل عاجز عن الرد على تلك الترهات، أما الإعلام الآخر المحسوب علينا فإنه يدار من قبل من لا يعنيهم أمرنا!