قلتُ في مقال الأسبوع الماضي إن هناك أملاً في أن يكون القطاع السياحي نموذجاً لقطاع اقتصادي واعد وناجح، وفي نفس الوقت يكون قطاعا قادرا على فتح آلاف الفرص أمام الشباب السعودي للعمل والاستثمار. أما كيف يمكن أن يحدث هذا في ظل العقبات المعروفة فهذا ما سنحاول أن نبسطه في هذا المقال، والمقال المقبل. هل نتحدث هنا عن معجزة للقرن الحادي والعشرين؟ لا ليس بالتأكيد، فهذا العمل ممكن الحدوث، ولكنه يحتاج إلى فكر خلاق جديد يخرج من إطار التفكير قصير المدى الذي لا يتعدى مجرد تنظيم عمل الشقق المفروشة، أو تحسين ظروف استراحات الطرق السريعة، أو دعم إقامة المهرجانات الصيفية التي اختزلت السياحة في التسوق والترفيه الخالي من أي روح وثقافة. تحتاج الهيئة العامة للسياحة بعد أن نجحت في لملمة قطاع مشتت، إلى فكر جديد تستلهم من خلاله التجارب المحلية والدولية الناجحة، وتستفيد من دروس التجارب المحلية الفاشلة. محلياً هناك قصص ملهمة بلا شك، فقصة إنشاء شركة أرامكو تمثل إحدى قصص النجاح في التاريخ الحديث. فشركة نشأت في فترة كان فيها الوطن لا يزال يئن تحت وطأة الجهل والفقر والتمزق، وفي فترة لم يكن فيها من بنية تحتية تساعدها على تحقيق أهدافها، ولكنها انطلقت عملاقة منذ البداية، فتقود قطاعاً بأكمله، فأصبحت في القمة على مستوى العالم في الكفاءة والانضباطية واستخدام التقنية، واستطاعت أن تحول الإنسان البسيط إلى كفاءة علمية وإدارية في مختلف المجالات الفنية والإدارية، فامتلكت خبرات سعودية لن تجدها في أعرق الشركات الأمريكية والأوربية واليابانية المماثلة. ويمثل إنشاء شركة سابك إحدى قصص النجاح السعودي المبدع، وهاهي اليوم تقود قطاعاً مهماً على المستوى الدولي، وينضم تحت لوائها عشرات الشركات المتخصصة التي توفر آلاف الفرص الوظيفية للشباب السعودي، وتنافس على المستوى العالمي بجودة منتجاتها، وبانخفاض تكلفتها، وبقدرتها على التعامل مع الظروف الاقتصادية الدولية. واستطاعت هذه الشركة التي نشأت في ظروف صعبة، أن تقود إلى بناء أكبر مدينتين صناعيتين في المملكة وهما مدينتا الجبيل وينبع. وإذا كان هناك من قصة نجاح أخرى فهي مبادرة تحويل قطاع الاتصالات الحكومي إلى قطاع خاص، فقد نقلت هذه المبادرة قطاعاً كاملاً من مستوى تحت الصفر في الخدمة، وفي المسؤولية، وفي الكفاءة، إلى قطاع مربح، يوفر أفضل الخدمات، تعمل فيه أكثر من شركة رئيسية، ومئات الشركات المتوسطة والصغيرة، ويوفر قطاعاً جاذباً للشباب السعودي، واستطاع أن يكون في المقدمة في توفير آلاف فرص العمل، ويفتح آفاقاً واسعة لاستقطاب المزيد من الأفكار في تقديم الخدمات وتحسينها ورفع كفاءتها. وإن كان هناك من قصة أخرى تتراوح بين النجاح والفشل، فهي قصة إنشاء المدن الاقتصادية التي تبنتها الهيئة العامة للاستثمار، ففكرة إنشائها خلاقة ومبدعة، والاهتمام الذي وجدته في بدايات إطلاقها كان عظيماً ومدوياً، ولكن المؤشرات تقول إن مستوى الانجاز حتى اليوم لا يبدو مشجعاً، وإن معظم الوعود قد تتبخر قبل اكتمال المشاريع. أما قصص الفشل فهي كثيرة أيضاً، فقطاع النقل الجوي الذي تهيمن عليه الخطوط السعودية يمثل أكبر خيبة في مسيرة التنمية في المملكة، فالشركة على الرغم من كل الامتيازات التي تحظى بها، فشلت في قيادة نفسها، فضلاً عن أن تقود قطاعا كبيرا وضخما وواعدا بآلاف فرص الاستثمار، وآلاف فرص العمل وآلاف الأفكار المبدعة والخلاقة.. وإن كان من قصة فشل أخرى فهي قصة افتقاد القطاع العقاري في المملكة شركات وطنية رائدة ومنظمة تستطيع أن تقود قطاعا هو الأضخم والأقدم في الاقتصاد الوطني. هذا القطاع الذي تحتكر فيه شركتان أو ثلاثا العقود الحكومية الضخمة، تُرك هكذا بدون قيادة أو تنظيم، تتصارع فيه الأطماع، وتلتهب فيه الأسعار، والمواطن حيران لا يجد فيه وظيفة يعمل فيها، ولا خدمة متميزة يتشبث بها، ولا مرجعا يشكو إليه ظلم الغشاشين والمغالين. ولكن أين قطاع السياحة من هذا كله؟ هذا ما نحاول أن نبينه في المقال المقبل.