لاحظتُ منذ بدأت الثورة المصرية هجوماً شرسًا على بلادنا في عدد من الصحف المصرية ، ومواقع الإنترنت ، هجوماً يحمّلنا وزر السلوكيات المتشددة التي يمارسها سلفيو مصر ، أولئك الذين وصفهم الكاتب البحريني عبدالحميد الأنصاري بقوله : (أصبح التيار السلفي اليوم في مناخ الحريات الجديد منغمساً في العمل السياسي، يقوم بالمظاهرات ويقود الاحتجاجات وقد شكل أخيراً حزبين سياسيين مفتوحين حتى للأقباط هما: النور والبناء والتنمية. وأطرف ما قام به شباب التيار السلفي هو حملتهم على «الفيسبوك» لإطلاق «مليون لحية» قبل رمضان القادم ! ثورة 25 يناير المصرية أخرجت المارد السلفي من القمقم الذي كان محتجزاً فيه على امتداد النظام السابق، فما أن تحرر من قيده وأبصر نور الحرية وتنسم هواءها حتى انطلق في كامل عنفوانه يصول ويجول ويعربد في طول البلاد وعرضها)! كنت قلت لمعالي وزير الثقافة والإعلام في لقاء ثقافي : إن خطابنا الإعلامي في الداخل متهافت، ولا يتفاعل مع القضايا التي يثيرها الآخرون ضدنا ، حتى تبدو كالحقائق والمسلّمات ولعل من أبسط تلك الحملات الموجهة إلى بلادنا استخدام عدد من الناشطين والناشطات ، آيات قرآنية ، وأحاديث نبوية ووقائع تاريخية للهجوم المنظم الذي يقوده أشخاص وجماعات ، من ذلك استخدام التعبير القرآني عن الأعراب الأشد كفراً ونفاقاً ، وحروب الردة ، وحركة مسيلمة الكذاب ، والحديث المنسوب لرسول الله صلى الله عليه وسلم من قوله : إن نجداً بها الزلازل والفتن ومنها يطلع قرن الشيطان ! وكل ذلك يكشف عن أحقاد تأصلت في نفوس بعضهم ، فوجدوا في مهاجمة السلفية المصرية فرصة للهجوم علينا ! ولا ريب أنّ كل ذي نعمة محسود - وأنه لو لم يكن لبلادنا دور كبير وأهمية على كافة الأصعدة لما جاء أحد على ذكرها- . وكما قلت فإنّ أصغر مظهر من مظاهر ذلك الهجوم الممنهج يصدرعن حفنة من الموتورين الصغار ، أما العمل الأكثر حرفة فهو ما يكتبه عدد من الأكاديميين المصريين وعلى رأسهم أحمد صبحي منصور الذي اتخذ من خلافه مع الأزهر وسجنه وسيلة للهجوم علينا ، إذ يقول إنه ( ضحية للنفوذ السعودى فى مصر) . وما يؤكد حقده وتحامله بحثٌ عنوانه : (شجرة الإخوان المسلمين زرعها السعوديون فى مصر) في إحدى الصحف الإلكترونية ، ضمّنه جملة من الأكاذيب ، مما يُخرج ما كتبه من المهنية والموضوعية . ولا تسمح هذه المساحة بالرد العلمي الموثق لدحض ما أورده من مزاعم ، ومع هذا فكثير مما أورده لايمكن أن يمرّ على تلميذ درس التاريخ ، إذ ينسب معظم ما حدث في التاريخ الإسلامي من صراعات لأهل نجد، فهم : * من بدأ بحروب الردة : (ليس صحيحاً أن أبا بكر حارب المرتدين، وإنما الصحيح أنّ المرتدين هم الذين حاربوا أبا بكر والمسلمين. وبعد إخماد حركة الردة بصعوبة بالغة رأى أبو بكر أن يتخلص من بأس الأعراب النجديين بتصدير قوتهم الحربية إلى الخارج شمال نجد , فكانت حركة الفتوحات العربية إلى شمال نجد فى العراق أولاً، ثم الشام وإيران). * هم من أشعل الفتنة الكبرى: (اصطدم الأمويون فى خلافة عثمان بأعراب نجد فكانت الفتنة الكبرى، تلك الفتنة التى لازلنا نسير فى نفقها المظلم حتى الآن ، كانت قضية "السواد" هي بداية الفتنة الكبرى . والسواد هى الأرض الزراعية الواقعة بين نجد والعراق، وكان أعراب نجد يتطلعون إلى امتلاك "السواد" لأنها الأقرب إلى موطنهم وحيث كانوا يغيرون عليه قبل الإسلام ويحلمون بامتلاكه، ولكن الأمويين لم يسمحوا لهم بذلك واعتبروا "السواد" "بستان قريش"، فاشتعلت الثورة، وقتل ثوار نجد عثمان بعد أن حاصروه، ونصبوا "علياً" خليفة، واشتعلت الحروب الأهلية، وفيها كان أعراب نجد هم عماد جيش علي) . * وهم الخوارج : (ما لبث أن خرجوا - النجديون - على علي وقتلوه وأصبح اسمهم الخوارج ، وتفرقوا يرفعون لواء الحاكمية "لا حكم إلا لله" ويقتلون المسلمين المسالمين فى العراق وإيران، وأرهقوا الدولة الأموية بثوراتهم ما ساعد فى سقوط الأمويين سريعاً أمام العباسيين، وخفت صوت الخوارج بعدهم ، ولكن بعد أن أرسوا عمليا مبدأ الحاكمية )! * وشاركوا في ثورة الزنج : (وعاد عرب نجد للثورة مرة أخرى فى العصر العباسى بعد أن ملوا من الإغارة الروتينية على الحجاج، ووجدوا الغطاء الدينى فى دعوة المغامر علي بن محمد فاتبعوه، مع أغلبية من الرقيق الزنوج فيما عرف بثورة الزنج التى خربت جنوب العراق طوال خمس عشرة سنة (255-270) ه إلى أن تم إخمادها بصعوبة بالغة) ! * وهم القرامطة : (ثم ما لبث أعراب نجد أن اشتعلت ثورتهم هادرة تحت اسم القرامطة، وامتدت غاراتهم إلى العراق والشام والحدود المصرية، ولم تنج الكعبة من تدميرهم، وقد سبقوا المغول فى سياسة الأرض المحروقة، أو إبادة كل الأحياء فى المدن التى يستولون عليها، وقد شهد المؤرخ الطبري جانباً من فظائعهم وسجلها فى الجزء العاشر والأخير من تاريخه... ثم بعد قرون تجددت النحلة القرمطية الشيعية تحت اسم جديد ومذهب جديد)! * عندما قامت الدولة السعودية الثالثة (نجحت فى تحويل التدين المصري القائم على التسامح حتى فى العصور الوسطى إلى تدين سلفي متشدد فى عصر حقوق الإنسان . وذلك بواسطة الشيخ رشيد رضا الذي جاء إلى مصر يحمل بين جوانحه الفكر السلفي مع كراهية موروثة للمسيحيين استقاها من بيئته الشامية .. وكان رشيد رضا مهندس ذلك التسلل للجمعيات الدينية وعن طريقها أمكن تحول التدين المصرى عن الصوفية السنية إلى السلفية السنية) . كما كتب مقالاً بعنوان : (حقائق أساسية فى فهم السّلفية) في 2\7\2011 ، في الصحيفة نفسها . حمّله كثيراً من الأكاذيب ، ويأتي على رأس ذلك : * ادعاؤه أن السلفية السعودية : هى المسؤولة عن تقسيم الهند بعد الاستقلال ، إلى الهند وباكستان تلافياً للمذابح التى بدأها السلفيون الهنود ضد الهندوس. وكان النفوذ السعودي أكبر فى باكستانالغربية (البنجاب) حيث أنشأت السعودية الجامعة الإسلامية فى إسلام أباد . وكانت السيطرة لباكستانالغربية على باكستانالشرقية (البنغال). * قوله إن إسرائيل لا تشكل (الخطر الحقيقى على مصر، وغاية ما تتمناه أن تحتفظ بحدودها الحالية بدون مقاومة فلسطينية وفى ظل ضعف مصري وعربي ... وتتمنى الوصول إلى سلام يحافظ على مكاسبها ، الخطر الحقيقى الذى يتهدد مصر يأتى من السعودية وسلفيتها...) . * زعمه أنّ (من نجد خرجت كل الحركات التخريبية والدموية التى عاثت فساداً وقتلًا فى بلاد المسلمين ، ومنها قبائل الهلالية التى هاجرت إلى مصر وشمال إفريقيا . اعتاد أعراب نجد قطع الطريق على الحجاج طوال التاريخ الأموي والعباسي والمملوكي ، فى حملات (علمانية) أي لا تستند إلى تسويغ ديني ، وحين كانت تستند إلى تسويغ ديني تكون الكارثة أعظم إذ يتحول القتل وسفك الدماء وانتهاك الأعراض وسلب المال جهاداً) . * ادعاؤه أنّ للعرب قبل الإسلام علاقات وثيقة بمصر ، (وأنّ الحجاز هو مجال حيوي لمصر ويتبع مصر حضارياً وثقافياً قبل نزول القرآن الكريم وبعده ، وبذلك كان الحجاز ضمن عناصر أخرى من مسوغات تعيين مصر قائدة للعالم الاسلامى) ! * إنّ ضحايا السلفية السعودية بالملايين، وأخطرها جماعات الدعوة السلفية التى تدمر عقول الشباب باسم الإسلام . فهل ننتظر حتى تتحول مصر إلى طالبان أخرى ؟ أما جمال البنا فعندما سأله محرر صحيفة السياسة الكويتية (08/07/2011 ) عن أن بعضهم يشيع أن دول الخليج هي من يقف وراء خروج السلفيين، وأنها تدعمهم ماليًا ؟ أجاب : (أرى أن ظهور السلفيين كارثة كبرى، فهؤلاء الناس يعتقدون أن الإسلام والتقدم هو هدم الأضرحة، والقباب، وتربية اللحى، ووضع النقاب. وهم يستخدمون النقل لا العقل، ورغم ذلك فقد أتقنوا عملية التأثير على العوام، وإثارة حماسهم.. أما بالنسبة لدول الخليج فهي تقوم بتمويلهم، إلا أن الدعم الأكبر يأتيهم من خلال رابطة العالم الإسلامي) !! وقد أشار إلى تلك الحملة المنظمة على بلادنا في وسائل الإعلام المصرية ، الكاتب علي سالم في صحيفة الحياة ، بمقال عنوانه : (أفكار قديمة خائبة تعود مرتدية ملابس جديدة) ذكر فيه عدداً من صور التجييش والهجوم التي يحذر منها بقوله: (علينا أن نحترس من الكلمات التي تشبه السهام الطائشة ، إن خطورة السهم المنطلق هي عجزك عن استرجاعه ، واستخدام هذا النوع من الكلمات يصيب العلاقات المصرية - السعودية على مستوى الشارع بخطر جسيم). هذه الحملات المنظمة وغيرها تنتشر عبر الفضاء الإعلامي في العالمين العربي والإسلامي ، ولا يكاد إعلامنا يتناولها أو يشعر بها . وكنت قلت لمعالي وزير الثقافة والإعلام في لقاء ثقافي : إن خطابنا الإعلامي في الداخل متهافت، ولا يتفاعل مع القضايا التي يثيرها الآخرون ضدنا ، حتى تبدو كالحقائق والمسلّمات . وما يؤكد ما ذهبت إليه ، ما قاله سمو الأمير خالد الفيصل في لقائه التلفزيوني عبر القناة السعودية الأولى - ما معناه - : إن بلادنا تتعرض لهجمة شرسة ، وتقليل من شأن كل ما يبذل للوطن وللمواطن ؛ وذلك على المستوى المحلي والخارجي ، وإذا وردت المعلومة في وسائل الإعلام ، وتأخرنا في الرد عليها أربعاً وعشرين ساعة فإنها تصبح لدى الناس حقيقة .. !