مازال " نايف " يذكر اليوم الذي تُوج فيه مديره في العمل كأفضل مسؤول ينفذ مشروعاً مبتكراً في قطاعه الوظيفي حيث صعد ذلك المدير على " المنصة " ليعتلي المنبر ويتحدث عن المشروع وعن الدراسة التي أعدها لأشهر طويلة ليصل إلى النتائج الجيدة التي ستتحقق فيما لوطبق المشروع على أرض الواقع ، شعور كبير بالوجع أخذ يتملكه وهو يرى مشروعه الذي قدمه يوما للمدير حتى يحسن من أداء الموظفين في تلك المؤسسة، حالماً بأن تكون هناك ترقية جيدة له بعد ذلك المشروع ليفاجأ بأن مشروعه الذكي نسب إلى المدير الذي سرق المجهود وأدعى بأنه صاحبه، واكتفى بالإشادة بدور الموظفين الأكفاء الذين سينفذون ذلك المشروع وقد اختير ضمن تلك القائمة . سرقة المجهود الشخصي تعتبر من أكثر الأمور التي توقع الموظف أو الفرد بصفة عامة سواء كان في بيئة عمل أو في بيئة دراسية أو حتى في محيط الأسرة في دائرة الضغوطات النفسية التي يشعر من خلالها بأنه مضطهد ومورس عليه ظلم كبير، فسرقة المجهود الشخصي لا يدخل فقط في المشاريع والأفكار المتعلقة بالعمل بل يدخل حتى في عمق التفاصيل الصغيرة في الحياة ، والتي من خلالها نكتشف في بعض المواقف بأنه سرق حقنا في نسب الأعمال الجيدة التي قمنا بها . يرى البعض بأن سرقة المجهود الشخصي من أكثر السلوكيات التي تنبع من انعدام الضمير لدى البعض ، حيث يجدون بأن الشعور بالظلم صعب ، وبأن من يسرق الجهد الشخصي لصديق أو قريب أو موظف أو طالب فإنه كالأمعة التي تعيش على أكتاف الغير وبأن ذلك يبدر دائما من الشخص الغير قادرعلى الابتكاروالإنجاز فيحتاج أن يسرق جهد من لديه القدرة على الابتكار والتفكير . مديرة تسرق تحكي " سمية عبد الله " حكايتها مع مديرة المدرسة التي كانت تعمل كمعلمة تحت مظلتها ، حيث تصف سمية حب الابتكار وإقحام الجديد في العملية التعليمية للطالبات بأنه من هواياتها، فهي تؤمن بأن إنتاج المشاريع الجديدة في العملية التعليمية خاصة التي تدفع الطالبات إلى الابتكار والتأمل هو أهم من المناهج الدراسية ذاتها، موضحة أنها ذات يوم قدمت للمديرة مشروعا متكاملاً عن تنمية شعور الانتماء للوطن عن طريق عالم الرسم والذي ينبع من فكرة رسم أضخم لوحة فنية بالألوان الطبيعية يساهم فيها جميع طالبات المرحل الثانوية والتي ستقدم إذا نجحت الفكرة لتوضع كواجهة لإدارة التربية والتعليم أوربما تشرح لأحد شوارع المدينة حتى تكون واجهة بأنامل وطنية، وقد قدمت فكرتها موثقة بأوراق تشرح جميع تفاصيل الفكرة، وقد أبدت المديرة دهشتها من الفكرة وبأنها ستبذل جهدها حتى تلقى قبول الإدارة لكنها تفاجأت بعد أيام بأن المديرة نسبت ذلك المشروع لنفسها ، فقامت برفع الشكوى حتى أوقفت المديرة فكرة المشروع وأخذت تمارس ضغوطات على تلك المعلمة حتى انتهى الأمر بمحاولة سرقة جهدها الشخصي وقد فضلت المديرة إلغاء الفكرة بأكملها ، مشيرة إلى أنها انتقلت بعد تلك التجربة إلى مدرسة أخرى لكنها حملت بداخلها شعورا سيئا بأنه أي جهد شخصي قد يسرق منك وينسب لشخص آخر وبابتسامة باردة أيضا ، مؤكدة بأن الذي يسمح لنفسه بسرقة جهد الآخرين فإنه شخص لايثق بنفسه وغير قادر على تقبل فكرة فشله في الابتكار فيلجأ إلى نسب الأشياء الجميلة لذاته . يُعد من أكثر السلوكيات التي تنبع من انعدام الضمير.. الواقع مؤلم على المتضرر! سكوت المدراء أما " عبدالرحمن السعد " فيروي حكاية سرقة جهده الشخصي والذي بدأ بتقديمه لخطة تطويرية للقسم الذي يرأسه في قطاع عمله، حيث قدم مشروعا متكاملا لإعادة التخطيط لقسمه ، لكنه تفاجأ بأن رئيسه يخبره بأنه سينقل لرئاسة قسم آخر وبعد أشهر تفاجأ بأن عمله المقدم تم تطبيقه في القسم القديم الذي كان يرأسه لكنه يحمل اسم المشرف الجديد للقسم ، فثارت غيرته على جهده الكبير ، وحاول أن يثبت ذلك الحق لكنه لم يستطع أن يغير من الوضع بشيء فقد طبقت أفكاره ونسبت لغيره وانتهى الأمر وقد حاول رئيسه تهدئته وتذكيره بأن المهم هو الصالح العام وعليه أن يفكر بذلك قبل أي شيء ، موضحا بأن مايحدث من سرقات للجهد الشخصي يأتي في مقدمته سكوت الكثير من المدراء والمسؤولين في قطاع العمل عن ذلك النوع من السرقات حيث يلجأ المتضرر إلى المدير ليشتكي من سرقة مجهوده الشخصي لكنه يفاجأ بأن المدير ذاته غير مبال أو يأخذ الأمور ببساطة ويطالب المتضرر بالصبر ، وهذا يدل على اختفاء ثقافة الحقوق وعودتها لأصحابها من محيطنا الاجتماعي الذي لابد أن يعرف كيف يدافع عن حقوقه الشخصية ، ثم كيف يحفظها بما يضمن عدم سرقتها من طرف آخر. الشخص يشعر بالألم جراء سرقة مجهوده الشخصي سيدة تنسب جهد خادمة لنفسها وتتحدث " سيرين " التي تعمل كخادمة عن سيدة المنزل التي تعمل لديها والتي ترى بأنها أكثر شخص مر بحياتها يسرق جهد الآخرين ، فسيرين خادمة تعمل منذ أكثر من 10 سنوات حتى أصبحت تتقن طهي الطعام الخليجي والعربي ببراعة كبيرة ، حتى وصل الأمر إلى أن الجارات ونساء الحي وأقرباء المنزل الذي تعمل به يطلبونها لتطبخ لهم الطعام الذي تطهوه بشكل شهي ، لكنها لاحظت منذ فترة بأن سيدة المنزل أصبحت تنسب الأعمال التي تبرع فيها الخادمة لنفسها ، فحينما تقدم الضيوف لمائدة الطعام تعبر عن سرورها بمجيئهم وبأنها بذلت جهدا كبيرا في إعداد الطعام بالشكل الذي ترغب بأن يحوز على إعجابهم ، وحينما يسألها البعض عن سر نكهة الطعام اللذيذة تتحدث عن مواهبها الكبيرة في الطبخ وبأنها تقوم بكل شيء بنفسها ولا تسمح للخادمة أن تساعدها ، حتى بدأت سيرين تشعر بالغضب من سلوكيات سيدة المنزل والتي أصبحت تنسب الترتيب والتأنق والطبخ لنفسها أمام الجميع حتى زوجها ، موضحة بأنها حينما سألتها عن أسباب نسب مجهودها لنفسها ، أوضحت ربة المنزل بأنها لاتسمح لأحد أن يقول عنها بأن خادمتها أفضل منها. مال سائب وترى "أم كمال إبراهيم" بأن من يسرق جهده فإنه متسبب بشكل أو بآخر في أن يكون عرضه للسرقة مستشهدة بذلك بالمثل الذي يقول " المال السائب يعلم السرقة " فالمرء لابد أن يبذل الأسباب التي تكفل له حفظ حقه في عمل قام به ، أو مشروع يقدمه ، أو جهد يبذله ، فهناك من الناس من تأخذه سلامة النية وطيبة القلب على أن يتعامل مع جميع الآخرين على أنهم ملائكة يحملون الخير فقط بدواخلهم ، وذلك أمر غير منطقي ، مشيرة إلى أن الكثير ممن يسرق جهده الشخصي لايمتلك الشجاعة حتى يطالب بذلك الحق ، فيردد بعض العبارات التي يحاول أن يستتر خلفها ليخفي ضعفه كأن يقول " أجري على الله " أو المسامح كريم " وغيرها من العبارات التي لابد أن تكون الشعار الذي يرفع أمام من يسرق جهدنا ، خاصة بأن الأفكار الجيدة والمشاريع الفاعلة هي تعبر في حقيقتها عن فكر وعصارة التميز لدى الفرد فلابد أن يدافع عنه وأن يحميه ، كما لابد أن لايقدمه إلا من يعلم بشكل لايقبل للشك بأنه سيحفظ لصالحه وستكون هناك أمانه في التعامل معه . قطف الثمار يرى "د.سعد الحسن" – عضو هيئة التدريس بجامعة الملك سعود تخصص علم اجتماع – بأن سرقة الجهد الشخصي يدخل ضمن مايسمى بقطف الثمار ، فهناك من يحرث ويزرع وحينما يأتي وقت قطف الثمار يأتي من يقطفها سواء كان زميلا أو مديرا ، مشيرا إلى أن هذا لاينم أبدا عن روح العمل ، موضحا بأن الموضوع يندرج من شقين الأول تسلط المدير وكذلك ضعف شخصية صاحب الحق ، فبعض الناس يحب أن يعيش في الظل ، وليس هناك مايمنع لديهم أن يقدموا العمل لشخص آخر حتى ينسب إليه ، وهذا نوع من أنواع النفاق الاجتماعي ، أو النفاق العملي ، مؤكدا بأنه لابد من نسب الحقوق لأصحابها وأن ينسب الجهد لصاحب الجهد حتى يكون العمل منظومة شراكة للجميع ولا ينسب النجاح لشخص واحد ، موضحا بأن مشكلتنا الكبيرة تنبع من مايسمى ب" مسرحية الشخص الواحد " والتي تقول بأنني أعمل لشخص ولا أعمل للمؤسسة ، إلا أن هذا قد يجهله الكثيرون مضيفا بأنه على كل فرد أن تكون له لمساته الخاصة به في نوع العمل الذي يؤديه حتى إذا وجد من أراد أن ينسب العمل لنفسه فإنه لايستطيع وسينكشف قريبا لأن العمل يحمل هوية من يقوم به دائما ، مثمنا تجربة جامعة الملك سعود بإيجاد لجان تسمى لجان الحقوق الطلابية تعنى بشكاوى الطلاب والطالبات اللواتي يرين بأن مجهودهم الشخصي قد سلب أو انتقص منه فإنه يتقدم لهذه اللجان والتي تعمل على عودة الحق إلى نصابه. براءة اختراع وأوضح أنه على من يقدم مشروعا تطويريا لأي عمل أو يقوم بإبداء أفكار، ما عليه هو أن يضمن قبل ذلك أن لا ينسب ذلك الجهد لغيره من الناس وذلك عن طريق الآليات المشروعة ، كأن يتم تقديم ذلك المشروع برقم وتاريخ للمؤسسة أو المدير حتى تدخل ضمن الأشياء الموثقة ، أما عن وجود جهة أو مؤسسة تكون مسؤوليتها تلقي المشاريع الجيدة وتوثيقها بأسماء أصحابها في أي قطاع لحفظ المجهود الشخصي أكد " الحسن " بأنها موجودة في مدينة الملك عبدالعزيز للعلوم والتقنية والتي تسمى " تسجيل براعة الاختراع " فمن لديه منجز علمي أو مشروع يمكنه تسجيله وأخذ عليه براءة الاختراع من مدينة الملك عبد العزيز ، أو من الممكن تسجيلها في أي دولة أخرى كفرنسا واليابان وغيرها وهذه تدخل ضمن مظلة كبيرة تسمى حقوق المؤلف وذلك فيما يتعلق بالجانب الأكاديمي ، موضحا بأن سرقة الجهد الشخصي تدخل في جوانب كثيرة فحتى سرقة معلومة أو صفحة من كتاب ونسبها لنفسه فإن ذلك من ضمن السرقة ، مشيرا على وجود مايسمى بالحاضنة في بعض المؤسسات للمبتكرات تتبنى الأفكار بحيث تتم رعايتها ومساعدة صاحب الفكرة في تحقيق ذلك الاختراع ، مؤكدا بأنه لايوجد وللأسف اجتماعيا ثقافة تعميق المحافظة على الحقوق الشخصية فالطفل لايربى على ذلك منذ الطفولة فعلى سبيل المثال نحن نربي الطفل على أن من أصول احترام الكبير تجيير العمل له حتى في المنزل ، ففي المسجد نسمع كثيرا محاضرات عن حقوق الوالدين لكننا لم نسمع عن حقوق الأطفال على الوالدين ، فحقيقة أن الطفل نتاج للوالدين لايجب أن يلغي حقيقة تفهمه لحقوقه الشخصية.