من الصعب جداً أن يستطيع المرء وصف الحالة المفزعة التي يشعر فيها الطفل لحظة الاعتداء عليه بالاغتصاب من شخص بالغ، فتلك اللحظات تتسارع بداخل الطفل ليعيش حالة من الهلع وهو يرى جسده «لعبة» في يد مغتصب يتعامل معه بوحشية بالغة، كما يتعامل مع الكبار حينما يعتدي عليهم بالضرب - مثلا - لكنه لا يفهم كثيرا لماذا يعتدى عليه من قبل «غريب أو قريب» بهذا الشكل الوحشي وهو من تعلم من والديه بأن ستر الجسد من أهم الأشياء في قوانين العرف الإنساني، ويبقى الطفل حبيس خيالاته وأفكاره ثم مخاوفه التي تتشكل بعد عملية الاغتصاب ليتولد الغضب من كل شيء، وهنا يبدأ بالتشكل حتى الكبر. مطمع لمرضى النفوس الحديث هنا عن قضية اغتصاب الأطفال كنوع من العنف ضد الأطفال قادني إلى الالتقاء بحالة لفتاة بالغة من العمر 20 سنة مازالت تعاني من التراكمات النفسية التي خلفتها حكاية اغتصابها حينما كانت تبلغ من العمر السابعة، فهذه الفتاة صعب عليها الحديث معي عن ذاكرتها المثقوبة، وعن مقدار التخبط الذي مازالت تشعر به بداخلها، فثقتها بمن حولها معدومة، حتى فقدت ثقتها بنفسها، وأصبحت تشعر بأنها وليمة سهلة لأي مريض يقابلها. د.ابراهيم الجوير مشروع حماية الأطفال وأشار «د.إبراهيم الجوير» عضو مجلس الشورى، إلى دراسة يعكف عليها مجلس الشورى سيتم الإعلان عنها تتعلق بمشروع حماية الأطفال بصفة خاصة والإيذاء بصفة عامة، مؤكدا أن هناك خللا كبيرا في الجهات المعنية التي تتولى متابعة قضايا الاغتصاب فيجب أن يكون لدى الجهات المعنية نظام قوي وصارم لحماية الأسرة من الاغتصاب وحتى بعد وقوع الاغتصاب، على أن يسهم المجتمع في ذلك بالتعامل مع هذه القضايا بصمت وتكتم وبمفهوم الستر فالإسلام أمر بالستر في جميع القضايا، د. الجوير: «حماية الأطفال» يقرها مجلس الشورى قريباً موضحا بأن الإشكالية الكبيرة في الثقة العمياء التي توليها الأسرة بالأقرباء والمقربين فغالبا ما تكون بداية الجرائم الجنسية من المقربين الذين نثق بهم، مشيرا إلى أن تدعيم ثقافة حماية الطفل لنفسه من مواطن الاغتصاب تبدأ من التربية وزرع الثقة بداخله وذكر معلومات له بأن يتعامل مع الآخرين بحذر وبالإيمان ثم الحفاظ عليه بعدم ارتدائه لثياب تكون مدعاة أن يساء إليه، مضيفا بأن صمت الأسرة أو إعلانها لحالة اغتصاب طفلها تبدأ من تحديد درجة ذلك الاغتصاب ومن الذي قام به وكم عدد هذه الحالات ومعرفة الآثار التي سيترب عليها الإبلاغ أو المصالح التي سيترب عليها الستر وتقوم الأسرة دراسة الحالة بعيدا عن التعميم، فهناك اغتصاب به هتك للبكارة وإضرار نفسي كبير وبه محاولة تحرش وجميعها تندرج نحو التحرش بالأطفال. د. الغامدي: المغتصب ينظر إلى الحياة بنظرة «سوداوية» الآثار النفسية ويؤكد «د. حاتم الغامدي» استشاري نفسي ومدير مركز الراشدة بجدة، أنّ الآثار النفسية التي يخلفها الاعتداء الجنسي على الطفل كبيرة، فأي صدمة في حياة الإنسان سواء تعلقت تلك الصدمة بالناحية الجسدية أو النفسية فإنها تسبب بقاء أثرها المؤلم لدى الإنسان مستقبلا، ولذلك فإن ذكريات الطفولة تبقى بداخل المرء تؤثر فيه ويتذكرها مهما كبر، فكيف حينما تكون هذه الذكرى متعلقة بالاضطهاد الجنسي، فإن الأثر يصبح بالغا جدا في مرحلة الرشد، مشيرا إلى أن الطفل الذي مورس عليه الاضطهاد الجنسي فإنه قد يحوله في الكبر إلى شخص مغتصب للأطفال إذا لم يعالج، فإذا وقع الاعتداء الجنسي على طفلة فإن أثره سيظهر على شكل كره الفتاة لجنس الرجال وقد ترفض الزواج مستقبلا. تحديد درجة الخوف وأضاف: أما إذا وقع الاعتداء على طفل فإنه قد يحوله مستقبلا إلى شخص يغتصب الأطفال كنوع من الانتقام، فهناك كثير من القضايا الشائكة والمعقدة التي تحدث للطفل في المجتمع فتترك أثرا بالغا في شخصيته ومن أهمها الاعتداء الجنسي الذي يشعر الطفل بأنه ضعيف لايستطيع الدفاع عن نفسه وبالتالي حينما يكبر يشعر بأنه يرغب بالانتقام لطفولته تلك بالاعتداء على أطفال آخرين، موضحا بأن الطريقة المثلى لتعامل أسرة أغتصب طفلها تتمثل في تحديد الأسرة لدرجة الخوف التي بداخل ذلك الطفل المغتصب هل هو خائف أو غير خائف؟ ثم لابد من عرض الطفل على طبيب مختص لإزالة ذلك الأثر من داخله فلا يبقى لديه حتى لا يتحول إلى شخصية انتقامية، فالإشكالية تكمن في أن غالبية الأطفال لايتحدثون عن حالة الاغتصاب التي تعرضوا لها مع والديهم، فلا تلاحظ إلا من خلال طرف ثالث يلاحظ ذلك، وبخلافها فإن الطفل يبقى مكبوتا بداخل ذلك الاعتداء حتى يكبر، وهنا لابد أن يتتبع الوالدين طفلهما فإذا ظهرت عليه درجة من الخوف الدائم، ودرجة من التجنب الاجتماعي، كما أنه لايقرب الآخرين، يصاحب ذلك نوبات من البكاء المتقطع غير المبرر، في تلك الحالات على الوالدين أن يستدرجوا الطفل عن ما حصل له وأسباب ذلك فإذا تم اكتشاف ذلك لابد من عرضه على طبيب نفسي مختص. د.سليمان العقيل علاج الصدمة من جهة أخرى أكد «الغامدي» أنه لابد من عرض الأطفال الذين اعتدوا عليهم جنسيا على مختصين في الجانب النفسي وذلك لتحسين حياتهم، فمن المؤكد أن الطفل المغتصب ينظر للحياة نظرة سوداوية، تختلف عن نظرة الآخرين فهم يشعرون بأن د. العقيل: للأسف اهتمام الآباء كان بتوفير الماديات! الناس جميعهم وحوش مؤذي، وهنا على الأسرة أن تعي بأن الصدمة التي يمر بها الطفل لا يكفي معالجتها بالأحاديث العشوائية من قبلهم وتشجيعه على النسيان بل أن تلك الصدمة ستستمر حتى يشعر الطفل بأنه أشفى غليله من الذي اغتصبه ولذلك تبقى دائرة الثأر بداخل الطفل حتى يكبر، مطالبا بأن يتم عرض القاصرات اللاتي تم اغتصابهن على جهات متخصصة في العلاج النفسي بالتعاون مع الجهات المعنية بالتحقيق. الضوابط الاجتماعية ويرى «أ. د. سليمان بن عبدالله العقيل» أستاذ علم الاجتماع بجامعة الملك سعود، بأنه من الواجب في البداية أن ننوه على بعض القضايا العامة في معالجتنا لبعض القضايا الاجتماعية، أن السلوك الإنحرافي ملازم للطبيعة البشري التي تتسم بالنقص والخطأ، ولذلك وجدت الشريعة الإسلامية بحدودها ووجد القانون ووجدت الضوابط الاجتماعية المتعددة، مشيرا إلى أن التربية للنشء ليست مناطة بالأسرة فقط، ولكن يدخل فيها جميع المؤسسات الاجتماعية الرسمية وغير الرسمية في العملية التربوية الكبرى لأبناء المجتمع بشكل عام، ومن هنا نجد أن السلوك الإنحرافي والمتمثل في الاعتداء على الأطفال يكون ضمن السياق العام للضعف البشري، ولذلك جاء النظم والقوانين والشرائع لتعالجه. متابعة الأسرة وأضاف: إنني ومن خلال التخصص أجد أن غياب الضبط المدرسي في المقام الأول وعدم متابعة الأسرة لمجريات حياة أبنائها، قد يكون هو السبب الرئيس في حدوث كثير من هذه الظواهر السلبية في المجتمع السعودي، وهو بلا شك نوع من الخلل الأخلاقي والسلوك والديني في المجتمع، فإذا كان الدين لا يردع والقيم العادات والتقاليد الاجتماعية لا تردع، فلن يردع القانون، لاسيما وأن هذه القضية تحمل في طياتها شقان الأول: هو أن الاغتصاب والاعتداء إذا حدث يكون فضيحة اجتماعية على الأسرة، فالأسرة تحاول أن تتلافى الفضيحة، والثاني: ليس هناك قوانين رسمية واضحة ومعروفة ورادعة لهذه الممارسات، ومن هنا أصبح الوضع مشاعا على ارتكاب مثل هذه الجرائم بدم بارد، والذي يظهر للصحافة ويعالج ليس سوى قمة جبال الجليد. مؤسسات المجتمع المدني وأوضح أن الأسر وأولياء الأمور اهتموا بالبحث عن ما يسعد الأبناء في الماديات، ونسوا أن هناك كثيرا من العمل الذي يحفظ كيان ونفسيات وهويات وتوازن الأطفال في المستقبل ويبني شخصياتهم، وفي المقابل نجد أن المسئولين في مجلس الشورى لم يهتموا بسن قوانين رادعة أو التأكيد عليها وكذا حقوق الإنسان التي تتعرض لكثير من هذه المشكلات في مسيرة عمله، وفي المقابل نجد أن وزارة التربية بما لديها من إمكانات وخبرات لا تريد من المجتمع أن يشارك في التربية المجتمعي للطلاب، وترى أن هذا أمر يخصها لوحدها من دون غيرها، وهي بذلك تفوت الفرصة على الفعاليات الاجتماعية المشاركة في الصيغة العامة للجيل القادم، مؤكدا أن الوزارة نفسها تعرف حجم المشكلات المترتبة على الجيل القادم جراء الإهمال وعدم الاكتراث والاحتماء بالقوانين والنظم التي سنت من اجل حمايتهم من المسؤولية الاجتماعية والأخلاقية، ومع ذلك لم تقدم حلولا للمشكلات المترتبة على الاعتداءات أو للأطفال المعرضين للانحراف أو غير ذلك بل تكتفي بموضوعات وإجراءات إدارية طويلة على نظام (لا يموت الذيب ولا تفنى الغنم) وتنتهي هذه المشكلات بالمراهنة على عامل الزمن الكفيل بحل كثير من المشكلات، وهذا بلا شك غير صحيح وغير منطقي. التوعية الاجتماعية وأشار «د. العقيل» إلى أنّ التوعية الاجتماعية والأخلاقية وبناء الثقة والذات لدى الجيل هي أهم من تعلم الكتابة والقراءة، فحين يعرف الطفل كيف يحمي نفسه ويحذر من الغريب ويعرف ماذا يريد الآخر منه؟، وكيف يتصرف تجاه ذلك؟، وغير ذلك من الإجراءات التي تعزز الثقة لدى الطالب هي أهم قضية في بناء الجيل، ويمكن القول إنّ المشاركة المجتمعية في بناء الأجيال هي القضية المحورية في بناء مجتمع المستقبل، فإما يكون مجتمعا فاقدا الهوية وذا نفسية محطمة وفاقدا الهدف من وجوده في الحياة ومساهمته في المستقبل، وذلك جراء الاعتداءات النفسية والبدنية عليه منذ كان صغيرا ولم يحم من قبل المؤسسات الرسمية كالمدرسة والمسجد والبيت، أو أنه يكون جيلا قويا معتزا بنفسه يعرف ماذا يريد من وجوده وموصول بتاريخه ودينه ومحافظ على كيانه ومجتمعه، ولن يكون باب شر عليه.