أحيانا يرغب المرء ببقاء الشر المحدق به، واعذروني، لأنّ ذلك يكون دافعا له للتعجيل بالإصلاحات التي كان يُفكر بها، ولم يسع جادا في تنفيذها، هذا ما أُحدث به نفسي، وأنا أشاهد التغيرات السياسية التي تضرب أهداف إيران في منطقتنا، فأقول لنفسي: لو بقيت الأمور على ما هي عليه مدة أطول، لو بقيت الأمور كما تحب إيران لكنّا نحن - وساستنا قبلنا - نفكر جديا، بل نسعى بحزم، إلى التداعي إلى تكوين وحدة خليجية، لقد كانت إيران وأذرعها في منطقتنا العربية عاملا من عوامل توحيد الجبهة، ورصّ الصفوف؛ لكن الأحداث جرت على غير ما يحب الربان، ما دفع بعضنا إلى النظر إلى الوحدة الكونفدرالية من خلال تغير الظروف، وأضحت الكونفدرالية يُنظر إليها على أنها مقصد دعت إليه ظروف ذهبت، فلم تعد الدعوة إليها ملحة الآن، هكذا يفكر بعضنا؛ لكني أظن الوحدة الكونفدرالية هدفا إستراتيجيا لدول الخليج لمواجهة التحديات الخارجية عموما، وليست الإيرانية فقط، فدولنا عايشت تحديات كثيرة قريبة وبعيدة، إننا حين ننظر للوراء نجد تلك التحديات القريبة والبعيدة، فنؤمن أكثر وأكثر بالتعجيل بمشروع تلك الوحدة، إن التحديات التي نواجهها ليست إيرانية فقط، بل ربما لم تكن إيران سوى عجلة في دولاب خفي علينا! حين أتأمل المشهد العربي في ثوراته القائمة، يخطر في بالي السؤال التالي: أهي الشعوب فقط تثور، وتثأر لمصالحها؟ ألا تستطيع الساسة والدول أن تثور ثورة هادئة، ثورة تحفظ حقوقها وحقوق شعوبها؟ متى كانت الثورة مفهوما مقصورا على الشعوب والجماهير؟ إنّ الدول أولى من الشعوب في مراعاة مصالحها، فأبدا لن تكون الشعوب أقدر من الدول، وأبدا لن تكون الشعوب أدرى بمصالحها وتحدياتها من دولها، إنّ الدول التي تُحاك حولها المؤامرات أحرى أن تُحدث ثورة سياسية، ثورة لم يتنبأ بها أحد، تخلط أوراق المتربصين الذين تُطلّ أعينهم إلى منطقة الخليج بحثا عن المرعى والكلأ المادي والمعنوي. إنّ الشعوب الثائرة استطاعت أن تُنظم نفسها، على ما بينها من اختلافات دينية ومذهبية وعرقية، أفلا تستطيع دول الخليج، وهي الموحدة تقريبا دينيا وعرقيا، أن تُوحّد الجبهة الخليجية في كونفدرالية خليجية؟ ألا تستطيع هذه الدول أن تضع في كتب التأريخ السياسي الحديث هذه الكونفدرالية العربية نموذجا حيا للاتحادات السياسية العربية، لعلها أن تكون نموذجا تحتذيه دول أخر في الأيام القريبة القادمة؛ لتكون دربا إلى وحدة كونفدرالية إسلامية ننتظرها، ولو بعد حين. إنّ من يسعى إلى هدف لا يُفكر كثيرا في التحديات التي تقف دون تحقيقه؛ إذ التحديات شيء طبعي في سبيل نيل المطالب، كما قال الشاعر: وما نيل المطالب بالتمني، وإنما ينصب تفكيره على مصالحه التي سيجنيها من وراء ذلك، وينصب تفكيره أيضا على مغالبة تلك التحديات، وهذا ما أضع نفسي فيه، فما دمت أعد هذه الكونفدرالية هدفا خليجيا سياسيا وشعبيا، فسأضع بين أيديكم ما يجعلكم تميلون إليها أكثر. إنّ الكونفدرالية بين دول الخليج جبهة سياسية موحدة تجاه التحديات الخارجية، وذا أمر واضح؛ لكني أيضا أريدها أن تكون جبهة تجاه التحديات الداخلية لدول الخليج، فما دامت الكونفدرالية تقوم على تنسيق سياسات الدول في عدد من المجالات، فلتكن من تلك المجالات مسارات داخلية أيضا، فثمة توترات داخلية في دول الخليج تشترك فيها جميعا على تفاوت يسير بينها، وثمة تجارب مختلفة في دول الخليج، سياسية وفكرية وخدمية وتعليمية، فما بالنا لا نفكر في اتخاذ الوحدة معبرا لتناقل هذه المنظومة من التجارب؟. إنّ هذه الوحدة ستحل جزءا كبيرا من التوتر الداخلي بين أطياف المجتمع؛ لأن التنوع سيكون أكثر وأكثر، إنها ستخلق لنا مناخا جديدا داخليا، وتخلق صورة جديدة خارجيا، ستقلب النموذج المكون في الداخل والخارج، إن التنوع الخليجي سيحل كثيرا من الانغلاقات الذهنية المحلية، إن التقارب الخليجي الفعلي سيبعث معه ما يمكن تسميته بالعقل الخليجي، إنه لو لم يكن في هذا الاصطفاف الخليجي إلا عرقلة العقل الداخلي بتنوعه وانبجاس اهتمامات جديدة لكان حريا بنا أن نحرص عليه، ونُبادر إليه، وإن كنا سنواجه جماعات ترى في مثل تلك الخطوة خطورة على المكتسبات، إنهم أولئك الإخوان الذين يقفون في مواجهة المشاريع الجديدة مدفوعين بالخوف، والخوف من الجديد فقط. * كلية اللغة العربية - جامعة الإمام