دائماً ما نسمع بعبارة دراسات الجدوى الاقتصادية ومدى نجاح المشروعات وخاصة الزراعية منها حسب اختصاصنا عند تطبيق عناصر تلك الدراسات في بداية تلك المشروعات. إلا أن هناك عدة مشاريع لم يكن حظها من تلك الدراسات سوى أوراق تعتبر مسوغاً لإنشاء المشروع بقدرما يلعب الحظ في تحقيق الأرباح المرجوة، مما نشأ معه عدة عقبات قد تعترض المشروع وتحول دون الاستمرار فيه، وأصبحت هناك حقيقة لا يمكن التهرب منها متسائلين عن إيجاد كافة الحلول لإنجاحها، وقد تدور أحياناً في حلقة متسعة بين وجهة نظر المستثمر وبعض الجهات ذات العلاقة بالشؤون الزراعية وهي «المشاريع الزراعية المتعثرة» رغم استطاعة المستثمر بالإرادة والعزيمة وكافة التسهيلات التي تقدمها حكومتنا الرشيدة ممثلة في البنك الزراعي السعودي الذي يحرص دوماً على تنمية الزراعة وتحقيق المنفعة للمواطن للقيام بإعادة الروح لتلك المشاريع.... ولكن في البداية أحب أن أصف دراسات الجدوى الاقتصادية وأعَرِّفها حسب درايتي بأنها أسلوب علمي لتقدير احتمالات نجاح أو فشل مشروع معين أو فكرة استثمارية قبل التنفيذ الفعلي، كما أنها أداة علمية تجنب المستثمر المخاطر وتحمل الخسائر ويجب أن تسبق القرار الاستثماري أو التشغيل بمعنى أنها الطريق أو الجسر الذي لا بد من عبوره بشكل صحيح حتى يمكن اتخاذ قرار استثماري مناسب يحقق الأهداف المنشودة. إن أي مشروع يبدأ بفكرة وينتهي بتنفيذ، حتى يصل المستثمر إلى الهدف النهائي وهو تحقيق الربح وإيصال المنفعة للغير. ولا يمكن النظر إلى الفكرة على أنها فرصة استثمارية إلا بعد التعرّف على صلاحية هذه الفكرة وأن تكون مدعومة بمعلومات وبيانات ومصادر متعددة وصحيحة موثوق بها، فالقرارات العشوائية المبنية على اجتهادات ودون معرفة المخاطر واتصال سطحي بالسوق.. قد تعصف بالمشروع وتوقفه وبالتالي يُعلن الافلاس. ولهذا الغرض يجب أن تمر الفكرة من خلال عدة اختبارات منها: 1- دراسة العناصر الحاكمة في تنفيذ الفكرة: مثل توفر المواد الخام الرئيسية - السوق المتوقعة - الطلب على السلعة - المنافسة - التوزيع - شرائح السكان - مستويات الدخل... إلخ. 2- الإنتاج والاستيراد والتصدير: فمن المؤكد أنه لا يوجد مجتمع متحضّر قادر على أن يكفي نفسه ذاتياً، بل لا بد من اعتماده على الدول الأخرى للحصول على بعض احتياجاته من السلع والخدمات. ومع تزايد العلاقات التجارية والتكتلات الاقتصادية فقد ساهمت الدول الخليجية ومنها المملكة العربية السعودية في تسهيل اجراءات التصدير للمستثمرين المحليين وللمنتج الوطني بعد الاتحاد الجمركي وهذا عامل يساعد المستثمر على الإنتاج بغزارة، وخذ مثلاً منتجات الألبان السعودية في الدول المجاورة. فلو أن صاحب المشروع المتعثر استطاع أن يسخر الركيزة الأساسية والتي تحدد نجاح مشروعه من فشله وهي - دراسة الجدوى - الوافية والواقعية والتي تتنبأ باسترداد رأس المال المدفوع بزمن مقبول وتحديد عائد مناسب لما ظهرت إليه أنواع المخاطر الاستثمارية إذ لا بد من شمولية الدراسة على معطيات يتم الوصول إليها عبر اختبارات التجربة لمعرفة مدى تأثير المشروع الزراعي في حالة أي تقلبات قد تطرأ أو تأثير ذلك في الأرباح، فمثلاً إذا حدث تغير في الأسعار (حرب الأسعار) أو زاد رأس المال أو تغيرت طبيعة وحجم (التسويق أو السوق) أو تغيرت امدادات المواد الخام.... إلخ، والذي يعتبرها بعض أصحاب تلك المشاريع المتعثرة والذين يعتمدون على الحظ أن جملة هذه المخاطر هي رصاصة رحمة تقتل الإبداع وبالتالي تتوقف تلك المشاريع عن العمل. وللتقليل من تلك المخاطر فلا بد من توافر كمية ونوعية معينة من المعلومات والبيانات والمقارنة بنتائج الغير حتى تأتي تلك الدراسة بعيدة عن أية تأثيرات غير مرغوب فيها. كما يجب أن تغطي هذه المعلومات والبيانات مجالات كثيرة ومعقدة تشمل كل ما يتعلق بالسوق (من منافسة وتوزيع وقوة شرائية) والمشروع (من آلات ومعدات أصلية، ومواد خام، وطاقة، خط إنتاج بأقل تكلفة) والتمويل (مصادر التمويل، الحوافز، اختيار العمالة، تقدير تكلفة الأجور، وتسهيلات الموردين). كما أن الدراسة تحدد صلاحية المشروع الزراعي الاستثماري خلال عمره من خلال طول عدد السنوات حتى يتم تصفيته أو هلاكه وبالنظر في عدة جوانب مهمة هي: الجانب السوقي، الجانب الفني، الجانب المالي، الجانب الائتماني أو التمويلي، الجانب الاقتصادي والاجتماعي. وأحب أن أنوّه على الجانب الائتماني والتمويلي والجانب الاقتصادي. الجانب التمويلي: كثير من المستثمرين يعي تماماً ما يحصل في كثير من الدول العربية والعالمية في أن جزءاً من استثمارات المشاريع الزراعية تموّل عن طريق الإقراض المصرفي أو اصدار سندات وبسعر فائدة تمثل في حقيقتها تكلفة لرأس المال وبالتالي لا بد من قياس كفاءة هذا المشروع، وهل هو قادر على خدمة هذا الغرض من دون أن يتعرض لهزات مالية عنيفة، وهذا ما لا نجده في بلادنا حماها الله. حيث إن سياسة البنك الزراعي - من الناحية المالية - تقوم على أساس استحقاق القسط من دون فائدة وبعد فترة زمنية من توقيع العقد تمكّن المستثمر من إنجاز أعماله. وهذا مؤشر ممتاز يعين صاحب المشروع المتوقف لخوض الاستثمار لقلة الخطورة الاستثمارية ناهيك عن السياسات السامية والتي تعتمد على عناصر منها. 1- تمتع المواطن بمستويات أفضل للمعيشة وذلك بدعمه مالياً وبأقساط ميسرة ليكون عضواً فعالاً في المجتمع.. وبزيادة المشاريع تزداد فرص العمل وتقل البطالة وتزداد الدخول مع ازدياد حجم ونوعية الموارد المتاحة من خلال الإنتاج والتسويق والتصدير. فباكتمال الحلقة يحصل العاملون على الأجر ويحصل المنظمون والمساهمون على الأرباح وتسدد قروض البنك ليتم تدويرها للمزارعين وتحصل الدولة على رسوم استيراد المواد. كل هذه المجموعة يعبِّر عنها بالدخل القومي. 2- تحقيق الكفاءة الاقتصادية بالقطاع الزراعي بهدف تأمين كافة الاحتياجات من مستلزمات الإنتاج الزراعي بهدف الوصول للاكتفاء الذاتي من المحاصيل دون الاستيراد.2- الجانب الاقتصادي: إن أهمية دراسات الجدوى للاقتصاد الحكومي والقومي تكمّن في مدى إسهام تلك المشروعات في تحقيق أهداف وخطط التنمية الاقتصادية بمعنى مدى تأثير المشروعات الزراعية في زيادة الصادرات من المنتوجات الزراعية كالتمور وغيرها أو تقليل الواردات وبالتالي المساعدة والاسهام في التغلب على العجز في ميزان المدفوعات وكذلك مدى إسهام المشروعات في زيادة معدلات التشغيل للقوى العاملة أو عدالة توزيع الدخل لمصلحة المناطق البعيدة أو تنمية مناطق معينة. وأخيراً فمن البداية حتى النهاية تبقى دراسات الجدوى من أهم الأولويات في تنفيذ المشروعات للاعتبارات التالية: 1- تعتبر دراسات الجدوى الاقتصادية من أهم الأدوات لتحليل البيانات التي يستعين بها متخذ القرار الاقتصادي عند التعامل مع المشكلة. 2- توضح دراسة الجدوى الاقتصادية العوائد المتوقعة مقارنة بالتكاليف المتوقعة طوال العمر الافتراضي للمشروع. 3- يتوقف قرار البنوك فيما يتعلّق بمنح الائتمان على تلك الدراسة عند منح مساعداتها لإقامة المشروع. 4- توضح الطريقة المثلى للتشغيل في ضوء الاستثمارات والسوق. 5- تحدد أسلوب وخط إدارة المشروع وتحقيق التفاعل بين عناصر التشغيل والتمويل والتسويق. 6- توضح كذلك العائد الاستثماري وتحدد الفترة الزمنية التي يسترد فيها المشروع رأس مال المستثمر، وذلك من واقع تحليلات مالية توضح الفرص ودرجة المخاطر. كما تساعد دراسة الجدوى في الوصول إلى قرار بشأن الاستثمار من عدمه وذلك بدراسة السوق دراسة تحليلية من حيث العرض والطلب والإنتاج والمنافسة والتوزيع والأسعار واستخدام التكنولوجيا المتاحة. 7- توضح دراسة الجدوى الوضع الاقتصادي للمشروع من حيث التمويل والتشغيل والإيرادات والتكاليف والأرباح والتنظيم الإداري للمشروع. 8- يعتبر المال (الكاش) أو السيولة إن صح التعبير من أهم المسائل لضمان قيام المشروع ونجاحه وتساعد الدراسة المستثمر في معرفة احتياجاته للمشروع من الموارد المالية وقد أسهم البنك الزراعي في هذه النقطة. 9- لا بد أن تكون دراسة الجدوى على قدر كبير من الدقة في معالجة المعلومات والبيانات ليتم الاعتماد عليها من حيث فرص نجاح المشروع. 10- تساعد دراسات الجدوى على التعرّف على المتغيرات الاقتصادية والسياسية والقانونية المتوقع حدوثها خلال العمر الافتراضي للمشروع وبيان مدى تأثيرها في ربحية المشروعات الاستثمارية في المستقبل. ولهذه الأهمية فإنه من الضروري أن تسهم الغرفة التجارية ومراكز البحوث وحتى البنك الزراعي السعودي من خلال الندوات والمطبوعات وتوصية لجانها في دعم الجهات القائمة على هذه الدراسات ودعمها بالتوعية والأفكار...