أشرتُ في مقال سابق في هذه الزاوية إلى أهمية إقرار برنامج لتقديم إعانات للعاطلين عن العمل تعينهم في فترة البحث عن عمل، واقترحت مبلغ 2000 ريال لهذه الإعانة وذلك لمدة ستة شهور، وقد صدر - ولله الحمد - قرار خادم الحرمين الشريفين بصرف إعانة للعاطلين سميت إعانة "الباحثين عن العمل" وأقر مقدارها بنفس المبلغ الذي اقترحته، وينتظر أن تبدأ وزارة العمل في تطبيق القرار مع بداية العام الهجري القادم 1433، ضمن برنامج "حافز" الذي أعلنت عنه بعد صدور القرار الملكي بأيام، وبدأت في استقبال طلبات الحصول على الإعانة عن طريق الموقع الإلكتروني الذي خصص لهذا الغرض. الأرقام التي تقدمت كبيرة جداً بحسب ما تسرب من معلومات لوسائل الإعلام أو من خلال ما رشح من معلومات شفهية، ويتوقع أن يبلغ عدد المستحقين للإعانة أضعاف العدد الذي كان يعلن عنه في السابق وهو ما بين 400 ألف إلى 500 ألف عاطل عن العمل، وذلك استناداً إلى نسبة البطالة التي تعلن عنها هيئة الاحصاءات العامة سنوياً. وإذا صدق هذا التوقع، فأحسب أن ذلك سيثير تساؤلاً جوهرياً عن مدى سلامة العمليات التي تتخذها الهيئة للوصول إلى إحصاءاتها السنوية بصفتها الجهة الرسمية المسؤولة والمختصة عن الاحصاءات، كما قد يثير تساؤلاً مهماً عن سلامة الخطط التنموية التي تصدرها وزارة الاقتصاد والتخطيط، وتصدر بياناتها في التقارير الاقتصادية المحلية والدولية. قد يكون السبب في العدد الكبير الذي تقدم للبرنامج هو في عدم توضيح مفهوم "الباحثين عن العمل"، وكذلك في عدم الإعلان عن الشروط والضوابط التي تحدد مَن يستحق هذه الإعانة، ومن لا يستحقها، بسبب عدم اعتمادها حتى الآن من المجلس الاقتصادي الأعلى. ولهذا كان يمكن خفض الجهود التي تبذلها الوزارة اليوم للتأكد من صحة البيانات التي يضعها المتقدمون - ومقارنة ذلك بسجلات التأمينات الاجتماعية ووزارة الخدمة المدنية والجامعات ومؤسسات التعليم والتدريب وغيرها - إلى النصف لو أن الوزارة سعت لاعتماد الشروط والضوابط قبل الإعلان عن البرنامج بحيث لا يستطيع التقدم إلا من تنطبق عليه الشروط. أقول هذا الكلام ليس لمجرد طرح ملاحظة إجرائية ليست غائبة - بالتأكيد - عن المسؤولين عن البرنامج، ولكن لأنني أخشى أن الرقم الكبير الذي تقدم للحصول على الإعانة قد يصيب المسؤولين بالإحباط، وبالتالي تكون مهمتهم القادمة هي في محاولة تخفيض الرقم بكل الوسائل الممكنة، حتى لا يحدث الرقم المعتمد في النهاية صدمة كبرى لمتخذي القرار على أعلى المستويات، وصدمة أخرى للمؤسسات الاقتصادية والأكاديمية والإعلامية التي كانت تعتمد في تقاريرها على الأرقام التي تصدرها هيئة الاحصاءات العامة سنوياً. الأمر الآخر الذي أكرره هنا، هو أن برنامج منح إعانة "للباحثين عن العمل" سيقدم لنا ولأول مرة إحصاءات تفصيلية لم تتوفر لنا من هيئة الاحصاءات العامة، ولم يستطع أي فريق بحثي من أي جامعة محلية، أو أي فريق استشاري أجنبي أن يقدمه لنا، لصعوبة القيام بدراسات مسحية تقدم بيانات إحصائية دقيقة عن العاطلين من حيث العمر، والمستوى الدراسي، ونوعية البرامج والتخصصات العلمية التي التحقوا بها، وكذلك من حيث التوزيع الجغرافي للمناطق التي يكثر فيها عدد العاطلين عن العمل ؛ بحيث تكون منطلقاً لكثير من القرارات المهمة التي يمكن أن تتخذ على كافة الأصعدة، ومن ذلك إعادة النظر في سياسة إقرار وتوزيع المشاريع التنموية التي تخلق فرص العمل بين مناطق المملكة، بالإضافة إلى مراجعة وتقويم البرامج التعليمية والتدريبية التي لا تلائم سوق العمل المحلي. إنني أتمنى أن تعلن وزارة العمل بكل شفافية عن البيانات الإحصائية المتكاملة عن المستفيدين من برنامج "حافز" وأن يتم تحديث هذه البيانات بصفة مستمرة، كما نأمل إقرار الشروط والضوابط التي رفعت للمجلس الاقتصادي الأعلى بشكل عاجل، حتى لا تكبر المسألة وتتضخم الأرقام، وبالتالي نستطيع أن نعرف بالضبط من يستحق الإعانة، ومن لا يستحق، وبعد ذلك نعرف من أين جاءت جحافل العاطلين عن العمل، وإلى أين تتجه بوصلة حل مشكلة البطالة؟