من رحمة الله بعباده أن وهبهم عمراً في حياتهم، وجعل لهم خاتمة ونهاية، والإنسان الواعي يشعر في نفسه أنه في سباق مع هذه النهاية من عمره، يحرص أن يقدم فيها قدراً كبيراً من العمل الصالح الذي يحتاج إليه بعد مماته يوم لقاء ربه، ما يوجب على الناس أن ينتفعوا من أوقاتهم، ويستفيدوا من كل لحظة من لحظات حياتهم، فالإحساس بالزمن يتفاوت من شخص إلى آخر، كما أنه يختلف من أمة إلى أمة من وفقه الله لعمل الصالحات، ولم يَعْرف التاريخ البشري أمةً تقدر الوقت، وتعرف قدر الزمن كهذه الأمة المحمدية. د. الشثري: على أفراد المجتمع الانتفاع بأوقاتهم والاستفادة من كل لحظة أعمال الخلائق وأوضح وكيل جامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية د. عبدالله بن عبدالرحمن الشثري، أن الله أخبر عن تسجيل أعمال الخلائق فذكر أن ذلك يتناول جميع أعمارهم وأخبر - سبحانه - عن حسابه لخلقه على أعمالهم التي عملوها في أعمارهم، فذكر أن ذلك يتم بميزان ذَرِّي لا تفوته الخردلة، ولا تسقط منه الذرة، بل لقد أخبرنا ربنا جل جلاله بخبر عظيم عن طريقة الحساب على الزمن الماضي، والعمر المنصرم في آيات بينات تتصدع لسماعها القلوب. وأضاف: إن الدقائق والثواني في أعمار الأمم، وفي حياة الأفراد، لها وزن وحساب والساعات الطويلة، ليست في حقيقتها سوى دقائق، وثوان، وضَياعُ الثواني من العمر هو في حقيقته ضياع لتلك الساعات التي ينقضي بمرورها عمر الإنسان، فالمسلم يعمر وقته وحياته بطاعة الله في كل أحواله حتى لا يكون عمره حجة عليه يوم القيامة. ابن نوح: لا تفرضوا على الشباب الوصاية ل «خيارات ضيقة»! صحة وفراغ وأشار إلى أن النبي صلى الله عليه وسلم نبه إلى غفلة كثير من الناس عما وهبهم الله من نعمة العافية، ونعمة الوقت، فقال عليه الصلاة والسلام، فيما رواه البخاري من حديث ابن عباس: "نعمتان مغبون فيهما كثير من الناس الصحة والفراغ"، فمن استعمل صحته وفراغه في طاعة الله فهو المغبوط، ومن استعملها في معصية الله فهو الخاسر، فكل إنسان سيواجَه بحصيلة عمله، إن خيراً فخيراً وإن شراً فشراً. وأضاف: فالاستزادة من عمل الخير في حال الصحة والفراغ توفيق عظيم من الله يمن به على من يشاء من عباده، وهذا ما أمر الله به - جل شأنه - نبيه محمداً أي: في حال فراغك اتعب نفسك في عمل الخير عبادةً وتقرباً إلى ربك، وقد أمر الله عباده بالمسابقة في عمل الخير تنافساً في ميادين الحصول على درجات القرب منه والزلفى لديه. د. ابن عسكر: اصطحاب العائلة في السفر يزيد الحياة سعادة واستقراراً اغتنام الأوقات وأكد د. الشثري أن الله وجه عباده إلى اغتنام الأوقات واللحظات من العمر الذي يسير بالإنسان سيراً إلى خاتمته في الدنيا، وكم من الساعات والأيام والسنين، تضيع في حياة الناس في فضول الكلام، وضروب اللهو واللغو وفي النوم والكسل، وأعداء الإسلام يسهرون ويكدحون في كل لحظة من أجل تحصيل أسباب القوة، ومن أجل فرض سيطرتهم على الناس، ويحاسبون أنفسهم على الدقائق والثواني، مخافة أن تمضي من دون إنتاج. وقال: ونحن مأمورون أن نحافظ على أوقاتنا ونستَثمر فراغنا، وأن نستشعر ذلك في واقعنا كما جاء في نصوص ديننا وفي سيرة أسلافنا، وفي شعائر ديننا الحنيف، ومن أعظمها المحافظة على الصلوات الخمس في أوقاتها، فبها يتجدد إيمان المسلم دائماً، وتقوى صلته بربه، الذي وعد الطائعين بثوابه، إذا هم حافظوا عليها. د. منصور بن عسكر توجيه وإرشاد وأوضح أنّ حفظ الوقت مما أمر الله به وحث عليه فإذا تربى الصغير على حفظ وقته بما ينفعه ويفيده حفظه الله ووفقه في حياته، وأولياء الأمور يتعبدون الله بحسن تربية أولادهم والمحافظة على أوقاتهم فيما ينفعهم ويفيدهم، سواء كانوا صغاراً أم كباراً، ومسؤولية الآباء والأمهات تزداد في العناية بأولادهم خاصة في أوقات فراغهم، فالشباب اليوم بحاجة إلى توجيه سديد وإرشاد سليم يأخذ بعقولهم إلى الرشد والصواب فهم يواجهون اليوم من آفات الفراغ (شهوات وشبهات)، شأنها أن تصرف قلوبهم عن الهدى فيقعون في المحذور الشرعي، فأصحاب الفتن والشهوات لا يتسلطون غالباً إلا على عقول الشباب، والأبناء والبنات أحق بالرعاية والاهتمام وشغل أوقاتهم بكل نافع ومفيد لينشئوا نشأة صالحة تكون فيها العاقبة الحسنى لأنفسهم ولوالديهم. عبدالعزيز بن نوح ثقافة المجتمع وقال الشيخ "عبدالعزيز بن نوح" عضو هيئة التدريس بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية: إن موضوع الصيف وإجازاته وأوقاته وفراغه وبرامجه من المواضيع المهمة التي لها أثر بالغ في المجتمع وبنائه، ولي هنا عدة وقفات، وهي أن هذا الموضوع مرتبط كثيرا بثقافة المجتمع وطريقة تفكيره وتعامله مع مكوناته الحضارية ومع العوامل التي تأثر في نموه وثقافته، فبالتالي ينبغي أن يكون هناك دور من المؤسسات التربوية والاجتماعية والثقافية من أجل بناء ثقافة للتعامل مع هذه المواضيع، التي لاشك لها تأثير في بناء المجتمع، من خلال استغلاله لأوقات شبابه وإجازاتهم فيما يعود بالإيجابية، إلى جانب محاولة بناء ثقافته في هذا الاتجاه، مضيفاً أنه لا شك أن المسلم بشكل عام شاباً كان أو كهلاً مسؤول مسؤولية مباشرة عن وقته وعمره، مصداقاً لحديث النبي عليه الصلاة والسلام: "لا تزولا قدما عبد يوم القيامة حتى يسأل عن أربع"، وذكر منها "وعن شبابه فيما أبلاه"، وعن "عمره فيما أفناه"، ولهذا فقد دلت نصوص الشريعة على الاهتمام بعمر الانسان ووقته وساعاته واستغلاله فيما ينفعه ديناً ودنيا. د. عبدالله الشثري ضوابط الشرع وذكر أنه لا بد أن يعلم أن الترفيه والترويح عن النفس ليس كما يظنه بعضهم أمرا ثانوياً، أو أمرا فيه نوع من الرقّة والخفة في الدين، أو أنه يخالف ويصادم نصوص الشريعة التي جاءت بالالتزام والانضباط، أو أن الترويح والترفيه عن النفس أمر في أفضل حالاته مباح فقط، بل إن الترفيه والترويح عن النفس أمر مشروع، وقد يكون مستحباً ومندوباً إليه، مادام منضبطاً بضوابط الشرع المطهر والسمحة التي تتماشى مع الطبيعة البشرية، مبيناً أنه قد يكون واجباً إذا لم يتم الواجب إلاّ به، وقد تجري عليه الأحكام الخمسة، والنصوص في هذا الجانب كثيرة، مثل مسابقة النبي لعائشة، وحديث ساعة وساعة، ومداعبته لزوجاته عليه السلام وممازحته لأصحابه في نصوص يطول المقام في ذكرها. فرض الوصاية وأكد أنه لا يصح عندما يسلط الضوء على هذا الأمر أن تفرض الإملاءات والوصاية على الشباب في وجوب استغلال أوقاتهم بطريقة محددة أو معينة، أو مرتبطة ببرنامج معين أو آلية محددة، أو حصر النفع في وجه محدد من أوجه الخير أو الأنشطة، أو التركيز في قضايا السفر إلى الخارج أو الداخل، بل لابد أن يركز الجهد والبذل في سبيل رفع مستوى الوعي الداخلي الثقافي والسياحي المنطلق من شريعتنا الغراء، مع محاولة إشعار الشاب بمسؤليته الوطنية وتنمية المراقبة الذاتية لديه، لا أن تفرض عليه القيود والوصاية لخيارات ضيقة، التي قد لا تتناسب مع عالم رقمي وعصر معلوماتي غير محدود، وبالتالي لا يكون هناك قناعة ذاتية وتحصل المشكلات بعد ذلك، مشيراً إلى أن هذا لا يحصل إلاّ بتضافر مؤسسات المجتمع كافة من أجل محاولة الارتقاء بذلك عند شبابنا وأجيالنا، مبيناً أنه إذا نجحنا في ذلك وزرعنا هذا الوعي، فدع الشاب يشرق ويغرب فمعه وعيه وعلمه ووازعه، وأما الإملاءات فلا أظن أنها تفيد في مثل هذا العصر. مكافأة الأسرة وعد "د. منصور بن عسكر" أستاذ مشارك في علم الاجتماع بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أنّ قضاء وقت الإجازة والاستمتاع بالإجازة الصيفية من الأمور الجديدة في المجتمعات المعاصرة، فهي بمثابة المكافأة للأسرة من عناء التعب في العام الدراسي الحافل بمتابعة الأبناء في الدراسة والاختبارات وما الى ذلك، فالأصل في قضاء الإجازة أن يكون السفر سويا لجميع أفراد الأسرة، الزوج والزوجة والأبناء، وكذلك الوالدين، ونركز بالأخص على الزوجة، ذلك أن الأسرة السعودية، كأي أسرة عربية أخرى، تقوم على ركائز عديدة، وتعتبر الزوجة هي الركيزة الأساسية للبيت، حيث تعد هي من يشكل اتخاذ القرار في الأسرة السعودية والزوج هو من يتخذ القرار، وكما يلاحظ المرشدون الطلابيون في المدارس أن أكثر من يتابع الطلاب خارج المدرسة هن الأمهات، هذا إضافة الى متابعة البنات في المدارس، كما يلاحظ على الأسرة السعودية ان أكثر من يستقر في البيت هي الزوجة، فمن باب إكرامها والاعتراف بجميلها أن نقترح على الأزواج أن تشارك الزوج في الاستجمام معه لقضاء وقت الإجازة في السفر معه. آداب السفر وأضاف: إن عدم ذهاب الزوج بزوجته لقضاء وقت الإجازة في السفر تنعكس سلبا على حياتهم الاجتماعية إضافة إلى الآثار التي قد يجنيها الزوج بالسفر وحده، من دون اصطحاب عائلته معه من شحناء وأمور جسام قد يعانيها الزوج من دون عائلته معه. كما أرى أن عدم اصطحاب الزوج زوجته معه في السفر وقت الإجازة تعود لأمور عدة أهمها الفارق في السن بين الزوجين، فقد يكون هنالك تفاوت في السن بين الزوجين تجعل الزوج لا يفضل اصطحاب زوجته معه، أو قد يعود للفارق بين المستوى التعليمي بينهما فقد يكون الزوج متعلما تعليما عاليا وزوجته ليست متعلمة فيرى انه باصطحابه زوجته نوعا من الانتقاص والحرج الذي سيلحقه باصطحابه لها معه في السفر، وهذا بلا شك خلل يعانيه من لا يصطحب زوجته وأبناءه معه في السفر، وعليه نوصي بأن يتعلم الزوجان آداب السفر ويحافظا على أبنائهما، وأنهما كلما اقتربا بعضهما من بعض واصطحبا أبناءهما معا ستزداد الحياة الزوجية سعادة بينهما أكثر.