هناك علاقة تكاملية بين القضاء والإعلام يحرص الطرفان على أن تبقى متميزة على الدوام. القضاء بمكانته وهيبته، وكونه الحكم الفصل في القضايا، يشكل موردا خصبا للإعلام ورجاله بما يتخذه من مواقف أو يصدره من أحكام إزاء ما يقع من قضايا وحوادث. الإعلام من جانبه، وخاصة المقروء، يرى أن من أولويات عمله ومسؤولياته متابعة ما يهم شأن القارئ والمجتمع، وتزويده بآخر المستجدات ومن بينها ما تصدره المحاكم من أحكام تخص القضايا المنظورة أمامها، وخاصة قضايا الرأي العام التي تحظى باهتمام ومتابعة كبيرين. هناك أيضا تأكيد وحرص دائمان لدى القضاء ورجالاته بأن يتم النشر بصفة دقيقة لما صدر من أحكام، وأن لا يتم النشر قبل أن تصدر الأحكام بصفتها النهائية. هذا الحرص أوجد نوعاً من التخوف في تكامل العلاقة بين جانبي القضاء، والإعلام، وكنتيجة حتمية فقد الصحفي جزءا مهما من أساسيات عمله وهو الثقة المتبادلة بين مُصدر المعلومة، وناشرها ما يدفعه إلى البحث أحيانا عن المعلومة من مصادر أخرى قد لا تكون صادقة ودقيقة. محاكمات المتهمين في قضايا الإرهاب، والتوجه نحو علنيتها وحضور ممثلي وسائل الإعلام لها أوجب التفكير في بناء إستراتيجية جديدة في التعامل بين القضاء والإعلام. كانت وزارة العدل السباقة بفكر نير ومتطور من لدن معالي وزير العدل الدكتور محمد العيسى الذي سعى لردم الهوة بين الجانبين، وبادرت وزارته في مد جسور التواصل مع الوسط الإعلامي بشكل كبير. كانت البداية مؤتمرات صحفية للدكتور عبدالله السعدان، المتحدث الرسمي باسم الوزارة، حضرها ممثلو وسائل الإعلام وأوضح خلالها للجميع أهمية الدور الذي يقوم به الإعلام في إيصال المعلومة، متعهداً باتخاذ كافة السبل لتوفير المعلومة بشكل متكامل وسريع. منذ أكثر من عام والتواصل مستمر، والتخطيط قائم لرسم الطريقة المناسبة لحضور ممثلي وسائل الإعلام لجلسات محاكمة المتهمين في قضايا الإرهاب. كانت هناك ترتيبات تخص اختيار المكان المناسب للمحاكمات، ومن سيحضرها، وكم عددهم، وكيف ستصاغ البيانات الصحفية، وهل سيتقبل القضاة حضور الإعلاميين للمحاكمات، وما هو دور الإعلام الرسمي في تغطية الحدث، إلى غير ذلك من التساؤلات. وزارة العدل، ثقةً منها في القائمين على وسائل الإعلام، لم تطلب مندوبين معينين لحضور جلسات المحاكمة وإنما تركت لكل وسيلة ترشيح من ترى دون اعتراض. اكتملت الترشيحات وبدأ المندوبون حضور الجلسات، وكان الاتفاق على أن تكون بداية الحضور للتعرف فقط على جو المحاكمات وبناء علاقة قبول وثقة بين مندوبي وسائل الإعلام، والقضاة الموكل إليهم النظر وإصدار الأحكام في قضايا المتهمين بالإرهاب. تم اجتياز هذه المرحلة بنجاح ولم تسجل أي خروقات، عندها أعطي لكل مندوب حرية كتابة تقريره عن كل جلسة محاكمة يحضرها وبالأسلوب الذي يراه مع الالتزام بما تم الاستماع إليه من معلومات وما صدر من أحكام أو توصيات. الآن نحن في العصر الذهبي لعلاقة تكاملية بين الإعلام، والقضاء، والطريق لا يزال طويلا؛ فهناك المئات من القضايا التي ستُنظر في جلسات قادمة وستكون أكثر أهمية لا من حيث عدد المتهمين، ولا من حيث عدد الضحايا أو تنوع جنسياتهم. حضور مندوبي وسائل الإعلام المتكرر للجلسات، وتعرفهم عن قرب على آليات المحاكمات، وتلاوة الدعاوى، ودفاع المحامين ستؤدي إلى تأهيل إعلاميين متخصصين في التعامل مع المحاكمات ونشر الأحكام والمعلومات بدقة ومصداقية . هذه المعلومات ستعتمد عليها أيضا وسائل الإعلام الأجنبية فيما ستنقله من أخبار أو تكتبه من مقالات وتعليقات، وهو أمر يتجاوز البعد الإعلامي إلى سمعة المملكة وحرصها على المصداقية والشفافية في كل ما يصدر عنها.