ونحن على وشك توديع الموسم الرياضي الحالي أجد نفسي مضطرا للتعبير عن وجهة نظر شخصية أتمنى أن تتسم بالموضوعية في الطرح وان تكون مقبولة من المتلقي، إذ لا يجد احدنا ثمة صعوبة في وصف مستوى الموسم الرياضي الحالي في كرة القدم، بالفقير فنيا إذ لم تظهر الإثارة الفنية إلا في عدد محدود جدا من المباريات، تكاد تعد على أصابع اليد الواحدة. ولعل مثل هذا الحكم صدر بعد أن أصبح كثيرون منا متابعا لمباريات الدوري الأوربي، الذي يتميز بكثير من المتعة والإثارة داخل الميدان، وقليل جدا من الصخب الإعلامي، ونتيجة لضعف المستوى الفني وغياب النجوم وعدم بروز لاعبين واعدين استمر انحدار مستوى المنتخب السعودي ونتائجه الذي خلف سقوطا مدويا في نهائيات كاس آسيا الأخيرة، صنع الإعلام الرياضي وعلى وجه الخصوص الإعلام الفضائي الإثارة والمنافسة خارج الملعب، وتبارت في ذلك القنوات العامة والخاصة السعودية وغير السعودية، مستعينين في سبيل ذلك بجيش من جهابذة التحليل الفني الرياضي، مؤهلاتهم أن تكون لاعبا سابقا بغض النظر عن مستواه الرياضي والعلمي، أو كاتبا مستجدا او متعصبا في صحيفة رياضية، ولناقدين رياضيين حصريين وغير حصريين مزودين بأسلحة صوتية فيها كثير من اللغط والجدال العقيم، والقليل جدا من المهنية والموضوعية، والأدهى أن بعضها أصبح مثل المواقع الشخصية على شبكة الانترنت، إذ نسبت بعض البرامج بأسماء مقدميها وأصبحت من خلال ما تطرحه أداة حادة لتشويه سمعة الآخرين، وإلصاق التهم بهم، والتقول عليهم بما لم يقولوا، وابتزازهم وتهديدهم والدخول في ذممهم، وتضخيم الأخطاء البشرية المعتادة؛ وذلك لإغراض شخصية صرفه! وفي سبيل إضفاء قليل من الصدقية على ما يطرحونه تم جر بعض رجال الدين والقانون والاقتصاد، والجاه، لخوض هذه المعارك الاعلامية مستغلين رغبة هؤلاء في الظهور الإعلامي حتى وان كان على حساب التخلي عن القيم والموضوعية، وليس سرا القول بان مثل هذه البرامج حققت نجاح إعلامي كبير وحققت نسبة نجاح مشاهدة منقطع النظير لدى عدد من فئات المجتمع وبجميع أطيافه مستفيدة من رغبة المتلقي الفطرية في سماع مثل هذه الإخبار التي تقوم على الإثارة، حتى أن بعض المشاهدين ربما لا يشاهد المباريات بينما يحرص كل الحرص على التنقل بين القنوات التلفزيونية لمشاهدة هذا "الإسهال الرياضي". لا يخفى على كثير من الناس وخصوصا أصحاب الاختصاص ما يمثله الإعلام في الوقت الحاضر من أهمية كبرى وما يقوم به من ادوار ينتج عنها آثار سياسية واقتصادية واجتماعية، إذ أصبح سلاحا ربما يوازي أسلحة الدمار الشامل، ولذلك يجب أن لا يترك في أيد غير أمينة وغير متعلمة لا تدرك أهمية المصلحة العامة، وتتشدق فقط بعبارات مكررة تقوم على مبدأ حرية الإعلام، من غير إدراك لحدود هذه الحرية التي صانتها المادة "39" من النظام الأساسي للحكم الصادر بالمرسوم الملكي رقم أ/90 وتاريخ 27/8/1421ه حيث نصت على: "تلتزم وسائل الإعلام والنشر وجميع وسائل التعبير بالكلمة الطيبة وبأنظمة الدولة وتسهم في تثقيف الأمة ودعم وحدتها ويحظر ما يؤدي إلى الفتنة والانقسام أو يمس بأمن الدولة وعلاقاتها العامة أو يسيء إلى كرامة الإنسان وحقوقه وتبين الأنظمة كيفية ذلك". وأكد هذا المبدأ نظام المطبوعات والنشر الصادر بالمرسوم الملكي رقم 9/32 وتاريخ 3/9/1421ه والمعدل بموجب الأمر الملكي رقم أ/93 وتاريخ 25/5/1432ه إذ نصت المادة "9" منه على: "يلتزم كل مسؤول في المطبوعة بالنقد الموضوعي والبناء الهادف إلى المصلحة العامة، والمستند إلى وقائع وشواهد صحيحة، ويحظر أن يُنشر بأي وسيلة ما يخالف أحكام الشريعة الإسلامية أو الأنظمة النافذة، وما يدعو إلى الإخلال بأمن البلاد أو نظامها العام، أو ما يخدم مصالح أجنبية تتعارض مع المصلحة الوطنية والتعرض، أو المساس بالسمعة، أو الكرامة، أو التجريح، أو الإساءة الشخصية إلى مفتي عام المملكة، أو أعضاء هيئة كبار العلماء، أو رجال الدولة، أو أياً من موظفيها، أو أي شخص من ذوي الصفة الطبيعية، أو الاعتبارية الخاصة، وإثارة النعرات، وبث الفرقة بين المواطنين وتشجيع الإجرام، أو الحث عليه وما يضر بالشأن العام في البلاد ووقائع التحقيقات أو المحاكمات، من دون الحصول على إذن من الجهة المخولة نظاماً ". وبناء على ما سبق وتدارك للموقف قد يكون من الضروري أن تمارس وزارة الثقافة والإعلام دورها الرقابي والإشرافي على وسائل الإعلام وذلك بالتعاون مع الرئاسة العامة لرعاية الشباب في ما يخص الإعلام الرياضي، وذلك بالتسليط الإعلامي على ما تضمنه نظام المطبوعات والنشر المشار إليه والتعديلات الأخيرة عليه، التي تضمنت عقوبات كبيرة وقاسية على من يخالف أحكامه، بحيث تقوم تلك القنوات باستعراض مواد النظام في أوقات مناسبة، كما انه من الضروري وضع متطلبات وضوابط للناقدين والمحللين الرياضيين، بحيث يكون لديهم مؤهل علمي مناسب، وان يكونوا من ذوي السمعة الحسنة، وخصوصا في البرامج والحوارات التي تعرض على الهواء مباشرة. * مستشار القانوني