في طريقك من عروس البحر إلى أم القرى، تغمرك السعادة بسويعات مليئة بالروحانية، والنفحات الإيمانية، تقلب وجهك في أرض الله، تتفكر فيها، وتسبح بحمد خالقها وتقدسه، وتتفكر في أمن تعيشه هذه البقاع، وعدل ينتشر في أرجائها، تقطع عليك ارتقاء الروح إلى عليين فكرا ونظرا، لوحة سطرت عليها كلمات لا بد لها أن تجتذب فكرك من علوه لتهوي به في أسفل قاع الأسى، والألم!! فترى لوحة كبيرة جدا، سطرت فيها هذه الكلمات (الحجاج بن يوسف الثقفي)!!! لتعلن بلا حياء أن الحجاج أهل لأن تسمى به مدرسة، إنها مدرسة ابتدائية، أي مدرسة سيحفظ الصغير فيها اسم مدرسته، ويفتخر بها!!! وسيبقى اسم الحجاج في ذهنه عمره كله! لتبدأ التفكير لم، وكيف، ومن وراء ذلك، وماذا يريد؟ بأي ذنب تقتل البراءة في نفوس أطفالنا، لتجعل قدوتهم، ومثالهم (الحجاج بن يوسف الثقفي)، ألا يعرف المسؤولون في وزارة التربية والتعليم من هو الحجاج بن يوسف؟ فتلك مصيبة عظمى، وإن كانوا يعلمون ذلك فمصيبتنا بهم أعظم! الحجاج بن يوسف علم من أعلام الطغيان، وصفحة سوداء من صفحات تاريخ أمتنا الإسلامية، طغى فيها سفك دماء الصالحين، وقطع رقاب التابعين، وإهانة صحب سيد المرسلين، ولعن آل بيته على منابر الخطباء، وألسنة الواعظين. يقول عنه الخليفة الصالح، عمر بن عبدالعزيز رحمه الله ورضي عنه: لو جاءت كل أمة بخبيثها وجئنا بالحجاج لغلبناهم. كفره بعض أهل العلم، منهم سعيد بن جبير، ومجاهد – إمام المفسرين من التابعين – وعاصم والشعبي. ذلكم أن الحجاج لمن لا يعرف الحجاج، قد قابل الله تعالى بذنوب عظام، فقد أحصوا من قتل صبرا، فبلغ مئة وعشرين ألف قتيل. كما في سنن الترمذي. وقال الترمذي: يقال الكذاب: المختار بن عبيد، والمبير الحجاج بن يوسف. يشير إلى قوله صلى الله عليه وسلم: في ثقيف كذاب ومبير. من أبرز من أهانهم الحجاج، أنس بن مالك صاحب رسول الله صلى الله عليه وسلم، وخادمه، الذي يصف لنا حاله مع سيده، وسيدنا، صلوات الله وسلامه عليه فيقول: خدمت رسول الله صلى الله عليه وسلم عشر سنين، فما قال لي أف قط. وما قال لشيء فعلته لم فعلته، ولا لشيء لم أفعله هلا فعلته. فهل احترم الحجاج هذه الخدمة الطويلة لسيد البشر أو رعاها، لقد قام الحجاج بن يوسف بوسم أنس بوسم العبيد، إهانة له. وكان الحجاج يضرب الناس ليحملهم على سب علي رضي الله عنه، فمنهم ابن أبي ليلى، فقد ضربه الحجاج وكأن ظهره مسح، وهو متكيء على ابنه، وهم يقولون له: العن الكذابين!! فيقول: لعن الله الكذابين، آه، ثم يسكت، ويقول: علي بن أبي طالب، وعبدالله بن الزبير والمختار ابن أبي عبيد، وأهل الشام يظنون أنه يوقعها عليهم، وقد أخرجهم منها، ورفعهم. ويكفيه مذمة وذنبا، انه رمى الكعبة بالمنجنيق، وأذل أهل الحرمين، وقتل ابن الزبير، وسعيد بن جبير، وكان يؤخر الصلوات، قال الذهبي: فنسبه، ولا نحبه، بل نبغضه في الله، فإن ذلك من أوثق عرى الإيمان، وله حسنات مغمورة في بحر ذنوبه، وأمره إلى الله، وله توحيد في الجملة، ونظراء من ظلمة الجبابرة، والأمراء. ويكفي أنه يفتخر بقتل الأئمة العظام، بل قال: وددت أني كنت قتلت ابن عمر. وقد عد الذهبي الحجاج من ذنوب عبدالملك بن مروان. وقصة قتله لابن الزبير ملخصة في صحيح مسلم: رأيت عبدالله بن الزبير على عقبة المدينة. قال فجعلت قريش تمر عليه والناس. حتى مر عليه عبدالله بن عمر. فوقف عليه. فقال: السلام عليك، أبا خبيب! السلام عليك، أبا خبيب! السلام عليك، أبا خبيب! أما والله! لقد كنت أنهاك عن هذا. أما والله! لقد كنت أنهاك عن هذا. أما والله! لقد كنت أنهاك عن هذا. أما والله! إن كنت، ما علمت، صواما. قواما. وصولا للرحم. أما والله! لأمة أنت أشرها لأمة خير. ثم نفذ عبدالله بن عمر. فبلغ الحجاج موقف عبدالله وقوله. فأرسل إليه. فأنزل عن جذعه. فألقي في قبور اليهود. ثم أرسل إلى أمه أسماء بنت أبي بكر. فأبت أن تأتيه. فأعاد عليها الرسول: لتأتيني أو لأبعثن إليك من يسحبك بقرونك. قال فأبت وقالت: والله! لا آتيك حتى تبعث إلي من يسحبني بقروني. قال فقال: أروني سبتي. فأخذ نعليه. ثم انطلق يتوذف. حتى دخل عليها. فقال: كيف رأيتني صنعت بعدو الله؟ قالت: رأيتك أفسدت عليه دنياه، وأفسد عليك آخرتك. بلغني أنك تقول له: يا ابن ذات النطاقين! أنا، والله! ذات النطاقين. أما أحدهما فكنت أرفع به طعام رسول الله صلى الله عليه وسلم، وطعام أبي بكر من الدواب. وأما الآخر فنطاق المرأة التي لا تستغني عنه. أما إن رسول الله صلى الله عليه وسلم حدثنا " أن في ثقيف كذابا ومبيرا " فأما الكذاب فرأيناه. وأما المبير فلا إخالك إلا إياه. قال فقام عنها ولم يراجعها. قال النووي رحمه الله: وفيه منقبة لابن عمر لقوله الحق في الملأ، وعدم اكتراثه بالحجاج؛ لأنه يعلم أنه يبلغه مقامه عليه، وقوله وثناؤه عليه، فلم يمنعه ذلك أن يقول الحق، يشهد لابن الزبير بما يعلمه فيه من الخير، وبطلان ما اشاع عنه الحجاج من قوله: إنه عدو الله، وظالم، ونحوه. فأراد ابن عمر براءة ابن الزبير من ذلك الذي نسبه إليه الحجاج، وأعلم الناس بمحاسنه، وأنه ضد ما قاله الحجاج، ومذهب أهل الحق أن الزبير كان مظلوما، وأن الحجاج ورفقته كانوا خوارج عليه. ومما يكفي الحجاج ظلما وعدوانا وجبروتا قتله ابن جبير، الذي قال عنه الإمام أحمد: مات سعيد بن جبير وما على الأرض أحد إلا وهو محتاج علمه. فحق لنا إذا أن نسأل: من الذي سمى المدرسة باسمه، وكيف يريد أن يشرح للتلامذة الصغار سيرته ونهجه، كيف سيفسر لهم عنفه، وجبروته، كيف سيبرر لهم قتله ابن الزبير وابن جبير، وكيف سيبرر لهم هدمه الكعبة، كيف سيبرر لهم سيل الدماء الزاكية بسيفه؟ هل يريد تعليم صغارنا الظلم والعدوان؟ هل يريد تنشئتهم على الحقد الأعمى، وعلى احتقار الصالحين، والاستهانة بالمسلمين؟ هل يصلح الطغاة والمجرمون الذين لا يرقبون في مؤمن إلا ولا ذمة أن ترفع أسماؤهم ليذكروا، وليكونوا قدوة للناشئة، يتربون على أخلاقهم، وتنمى في قلوبهم شخصياتهم، وتدرس سيرهم إعجابا بها، لا تحذيرا منها، وبيانا لمواطن الخلل فيها؟ إني أحاول أن أجد مسوغا لاختياره، فلا أجد، فهل تجدون مبررا لو سمينا مدرسة من مدارسنا باسم صدام حسين، أو هتلر، أو موسوليني؟؟؟ ما الفرق بينهم وبين الحجاج، كلهم ولغ في الأعراض، وكلهم خاض في الدماء، وكلهم له مبرراته، لكن الحق الأبلج يقول، والتاريخ يصرخ: ألا لعنة الله على الظالمين. فهل نريد من أبنائنا أن يتعلموا الظلم، وأن يكونوا ظالمين؟