عمل المهندس محمد يوسف من أجل الحفاظ على جمعيته الخيرية لرعاية أطفال الشوارع التي كان يديرها في أيام الحرب الأهلية الدموية بافغانستان ثم في عهد طالبان خلال التسعينات. لكن بعد ثلاثة أعوام ونصف العام من نهاية حكم طالبان يكتنف الغموض مستقبل جمعية «العش» بسبب ارتفاع قيمة الايجارات وهي الظاهرة التي صاحبت تدفق الدولارات على كابول بعد الحرب. وتقدم الجمعية الطعام والتعليم والتدريب المهني لنحو الف من أطفال الشوارع وبعض ابائهم كما أنها تمثل بارقة أمل لبعض من أشد الفئات احتياجا في افغانستان. وكل ذلك عرضة للخطر لأن المالك الجديد لقطعة الأرض البالغ مساحتها نحو ثلاثة أفدنة والتي يوجد فيها المركز الرئيسي للجمعية الخيرية يخطط لاستخدام الموقع لتشييد فندق فاخر في مدينة تمضي الآن في الطريق الى اقتصاديات السوق الحر. ويعني الارتفاع الكبير في أسعار العقارات منذ اواخر 2001 أن الموقع يساوي الآن نحو خمسة ملايين دولار. ويدفع يوسف شهريا 1500 دولار وقد طلب المالك منه مغادرة المكان. وتابع «لا نستطيع تحمل تسعة الآف أو عشرة آلاف دولار شهريا لابد من دفعها ايجارا للمركز الآن». وسيكون ذلك أكبر بكثير مما يمكن أن تتحمله ميزانية الجمعية السنوية البالغة مئة الف دولار تنفقها على جميع مراكزها بما في ذلك تلك المراكز الموجودة في مدينة مزار الشريف بالشمال وفي اقليم باروان. وقال يوسف «مع ارتفاع ايجارات المنازل من الصعب علينا الاستمرار. لقد أبلغت المانحين وكتبت للحكومة دون أن أتلقى ردا». وتقول جماعة المساعدات «تير دي هوم» التي يوجد مقرها في سويسرا والتي تشارك في مشروع «العش» إن المانحين الحاليين تنقصهم الأموال لدفع ايجارات أعلى في موقع جديد. وقال اندرياس هربست من الجماعة السويسرية ان تير دي هوم والعش «تدعوان الحكومة الأفغانية والمجتمع الدولي لتقديم يد العون من أجل (عش) جديد للعش». ويوجد في كابول ما بين 50 الفا و60 الفا من أطفال الشوارع الذين يعيشون على التقاط بقايا الطعام من النفايات أو تلميع الأحذية وتنظيف السيارات ويعمل بعضهم كباعة جائلين أو يتسولون. وفقد كثيرون اباءهم أو أحد الأبوين في الحروب التي شهدتها افغانستان على مدى ثلاثة عقود وعانوا من أزمة نفسية حادة. وراح 50 الفا ضحية الحروب في كابول وحدها. واستفاد 12 ألفا من نشاط العش على مدى سنوات. ويتابع الأطفال من عمر ثمانية أعوام الى 18 عاما دروسا في التعليم الأساسي والمهارات المهنية ويمارسون الرياضة طوال نصف اليوم ثم يمضون باقي اليوم في عملهم العادي بالشوارع. وفي المركز علق المسؤولون على الجدران لوحات رسمها الأطفال تصور التاريخ الحديث المأساوي لأفغانستان بالاضافة الى أعمال اخرى تظهر فيها الطبيعة الخلابة للبلاد وبعض معالمها الثقافية. لكن الغبار بدأ يتراكم على الآلات الموسيقية في الغرفة التي يتعلم فيها الأطفال الموسيقى وصارت ساحة الألعاب الرياضية مهجورة فيما العمال يفحصون المبنى لاختيار أي جزء سيبدأون بهدمه من أجل بناء الفندق. واستطاع يوسف الابقاء على المركز مفتوحا في عهد طالبان عندما كان يحظر على النساء التعليم أو العمل رغم أنه تعرض للضرب وسجن ثلاث مرات. وقال «سيكون أمرا سيئا لو تعين اغلاق المركز. انه لأمر محبط للغاية أن أستيقظ في الصباح واحاول التفكير بشأن كيفية الحفاظ على المشروع حيا». وتابع يوسف «في وقت الحرب الأهلية وطالبان لم تكن الأمور صعبة للغاية لأنه كان ثمة اهتمام كبير من جانب المانحين. «انا لست مصرا على أن أقوم أنا أو العش برعاية أطفال الشوارع هؤلاء لكن يتعين العثور على طريقة ما لانقاذ أولئك الأطفال الصغار من مستقبل قد يكون مظلما».