كيف أنتم هذا الصباح؟ مجرد سؤال طرأ علي وأنا أحاول أن أنتقي كلماتي مع أن جمال الكلمة في انسيابيتها وعفويتها المؤدبة وليس في انتقائها!. حين تنتمي إلى فئة الكائنات الراصدة غير الفعالة أي التي تجلس و تنتبه لما يحدث حولها فإنك تحاول أن تحلل مايحدث حولك حسب منطق تعب من محاولة تفسير المفجع والمفاجئ واللامعقول واللاممكن. حين أتابع وهذا الشيء الوحيد الذي أجيده هذه الأيام، أي مناقشات حامية حول أي قضية عامة تنقسم حولها الآراء كما هو طبيعي ومتوقع في أي مجتمع متحرك متعدد الأطياف خال من القوالب الجاهزة، أو ألاحق التعليقات حول خبر ما في جريدة ما عن شيء ما، أتفاجأ - لسذاجتي طبعا- بطريقة الحوار وبذاءة الكلمات المستخدمة من البعض والتي تشوه أي فكرة يحاول صاحبها توصيلها وتطغى على أي صوت هادئ ورزين. ما يكتب ويقال في هذه الحالات يصيبك كمطالع حيادي أو متلقٍ سلبي بالانزعاج على أقل تقدير ويغطي على كل فكرة جميلة أو وجهة نظر تستحق أن تتوقف عندها. على سبيل المثال راجعوا بعض التعليقات والتصرفات التي حدثت في الأسبوع الماضي كردة فعل على موضوع قيادة المرأة للسيارة، فمن حملة تريد أن تستخدم "العقال" للتأديب إلى حملة تريد أن ترفع "غيره" في وجه "العقال" للحماية مما يجعلني أتساءل، هل العنف والعنف المضاد هما أدوات الحوار الجديد كبديلين للكلمة والفكرة والحجة؟. إلى تعليقات تجاوزت حدود الأدب مع إنسانة لا تملك حق الرد ولا التوضيح لأنها غير متواجدة على الساحة. إلى اتهامات غير معقولة لكل من يختلف أو يتفق أو يرفض أو يقبل أو حتى يقول أنا على الحياد، إلى مطالبات بمنع شيء غير موجود أصلا على أرض الواقع. إلى التهويل في تصوير التبعات وكأن النساء جزء من طابور خامس لديه أجندة خفية رغم أن تاريخ المرأة السعودية كمواطن منتج وملتزم يقول عكس ذلك. لا أظن أن ماحدث من ردود أفعال هو شيء جديد في مجتمعنا، يمكننا أن نعود إلى قائمة اتهامات بالشيوعية التي انقرضت والليبرالية التي عجزنا عن تفسيرها، والعمالة ومشتقاتها، والتي وزعت بالفاكسات في التسعينيات، وانتقلت من يد لأخرى في تنظيم مبهر، وإلى قصائد شعر ومنشورات نالت من أعراض نساء وعائلاتهم روج لها الكثيرون حين سيطر عليهم الخوف على المجتمع من التحلل والانهيار. في نظري - وأتمنى أن أكون مخطئة - نحن لم ننضج كثيرا من ذلك الزمن إلى الآن وهذا ما يخيفني كشخص يقف متفرجا يتطلع مثل كثيرين لغد أفضل، لأنني كنت أظن أن ما مررنا به كمجتمع من تجارب وطنية في السنوات الماضية يفترض أنها أعادت تشكيل عقولنا جعلتنا نبدأ في استيعاب بعضنا البعض والاعتراف بوجود الآخر الذي يختلف معك لكنه لا يختلف عنك في حق المواطنة والرغبة في العيش الكريم. زيادة مساحة التعبير ووسائل الاتصال الحديثة جعلتنا نشاهد نماذج كثيرة، البعض منها تعدى في إقصائه إلى العنف بل تجاوز ذلك إلى محاولة الاستعداء والتجييش ضد كل من اختلف معهم، وأنا هنا لا اتهم تياراً دون آخر، "فالعقال" تحمله يد و "الجزمة" تقذفها يد أخرى، وكل منهم يرى أنه الأحق بالصوت العالي. أنا فقط أتساءل، أين أخطأنا؟ فهذه التصرفات في التعامل مع الآخر مخيفة! ولماذا نحمل في داخلنا كل هذا العنف والبغض لبعضنا البعض؟ لماذا نعتبر أن التعدي على الآخرين هو حق لنا لمجرد أننا نختلف معهم فكريا؟ كيف يمكننا آن نتعامل مستقبلا مع أي متغيرات تطرأ علينا ونحن في مجتمع متجدد يُفترض أن حراكه لا ينتهي لأنه مجتمع حي فتي يرغب في التطور، يتطلع للغد إذا كنا عاجزين كأطياف مختلفة من التمازج ومن النقاش حول أمر بسيط بطريقة حضارية من دون استحضار الجلد والاستعداء وتبادل الاتهامات المقولبة والشتائم الجاهزة؟ كيف تحول الاختلاف من دلالة حضارية على التنوع الفكري إلى قلة أدب وتعدٍ على الآخرين بالسباب والشتم والإهانة والخوض في الأعراض؟ لماذا -ومن أجل الترويج والتبرير لوجهة نظر- نصور مجتمعنا و كأنه مجتمع يتنفس الرذيلة رجاله مسعورون ونساؤه فاسقات؟ لماذا ترتفع هذه الأصوات الاستعدائية وتغطي على كل مناقشة هادئة وحوار منطقي؟ ما زلت أتساءل؛ هل نحن بحاجة إلى إعادة صياغة لطريقة تعاملنا وأخلاقنا؟ أنا فقط أخاف علينا منا! و أظن أن من حقي أن أخاف، إلا إن كان هذا الحق لجنس دون آخر ففي هذه الحالة أعتذر لكوني امرأة!