من الكتب القيّمة، بحث قام به الدكتور حسن مجيد العبيدي عن نظرية المكان في فلسفة ابن سينا، حيث عرج إلى الجذور الفلسفية لنظرية المكان ما قبل ابن سينا، سواء أكانت في الفلسفة النظرية أم في الفلسفة العربية. وتتبع الدكتور العبيدي اتجاهات دراسة المكان فوجدها تنحصر في ثلاثة اتجاهات: اتجاه يذهب إلى إنّ المكان سطح الجسم الخاوي قال بذلك الكندي والفارابي، وأخوان الصفا، وفلاسفة بغداد. والاتجاه الثاني يرى أنّ المكان بُعدا، كما قال بذلك الرازي، ولكنهم أي اصحاب هذا الاتجاه اقروا بوجود الخلاء في العالم. والاتجاه الثالث هو اتجاه ابن الهيثم وقد عارض فيه الاتجاهين السابقين. ونظر ابن سينا إلى المكان بشقيه المكان الطبيعي ( مُلاء) بضم أوله، والمكان المجرد ( خلاء ). وتوصل العبيدي إلى إنّ دراسة ابن سينا للمكان كانت معالجة فلسفية علمية دقيقة، حيث لم تخل دراساته من نطاق الفيزياء والمنطق، وعليها بعض النقودات التي وجهت لها، ولكن مقارنة ما توصل إليه مع واقع العلم في زمنه نجده قد وفق كثيرا. ويرى الباحث إنّ الغزالي قد أخذ بمنهج ابن سينا في دراسة المكان، وتأثر أبي البركات البغدادي ببحوثه ونتائجه، رغم معارضته له، واخذ بمنهج ابن سينا في دراسة الخلاء، الفخر الرازي وعده مصدرا من مصادر كتابه المباحث المشرقية. وأخذ بموقفه أيضا الايجي، في كتاب المواقف بشرح السيد الشريف، وأورد حجج ابن سينا نفسها في اثبات المكان والرد على نفاته. وكذلك في بيان طبيعته. وأخيرا توصل الباحث إلى أهمية دراسة نظرية المكان عند ابن سينا واسهاماتها في الثقافة العربية والاسلامية من بعده، كون هذه الثقافة انها اصبحت مركز الثقل، وأن ابن سينا كان هو القمة في تطور ونضوج الفكر الفلسفي العربي الاسلامي، كحال ارسطو طاليس عند اليونان. ولهذا اصبح مرجعية مهمة في الفلسفة العربية الاسلامية .