(لن ينقشع عنكم الغبار ، حتى ترفعوا الظلم عنا)، هذه العبارة قالتها سيدة من ثلاث سيدات من الصم والبكم حضرن في ندوة حوارية لهيئة حقوق الإنسان في مدينة الرياض ، معتدات بذاتهن ، عاملات ، حريصات على إثبات وجودهن ، وعلى نيل حقوقهن كاملة .. اثنتان لا تستطيعان الكلام إلا بشكل بسيط جدا ، بينما واحدة تدربت على الكلام وتعاني من ثقل بالسمع، استطاعت مع بعض الجهد أن تتكلم ، كلاما مفهوما وملتهبا في تلك الجلسة .. قبل ذلك حدثتني مدرّسة في أحد معاهد الصم ، هذه السيدة تدرس للصم والبكم ، تقول بحرقة إنه يتم انتدابنا للعمل مع هؤلاء دون تدريب مكثف أو معرفة دقيقة بلغة الإشارة ، ونعتمد على جهودنا الذاتية في إيصال المعلومة .. وتعليمهن القراءة والكتابة والعلوم... هذا أمر ليس هيناً بالطبع لكن هناك أمور أشد وقعا ، مثلا لا توجد في الأماكن العامة أكشاك خاصة لذوي الإعاقة السمعية ، فغالبا يحتار المعاق سمعيا في الوصول للمعرفة الضرورية في أغلب الأماكن ، مثل المستشفيات العامة والمستوصفات ، لعدم وجود مترجم للغة الإشارة ، ما يصعب على المريض شرح حالته بدقة للطبيب ، وفي الوقت الذي نشيد به بمقدار تكاتف من لديهم هذه الإعاقة وتلاحمهم ، نجد أن بدننا يقشعر بسبب مقدار الظلم الذي يقع على من لم يدرس أصلا منهم ، بمعنى يتم حرمانه من التعليم ، بسبب إهمال ذويه دون أن يسألهم أحد عن السبب أو يتدخل أحد لإنقاذهم ، ليس من وطأة الجهل فقط ، لكن مما يسببه لهم (إناثا وذكورا) من ظلم.. ولعل البنت يقع الظلم عليها مضاعفا ، وتتحمل التمييز ضدها باعتبارها أنثى مقصوصة الجناح ، هذه واحدة وتحمل إعاقة سمعية تحرمها من التواصل بالحديث مع من حولها، الثانية ادعت أن بعضهن وربما أغلبهن عرضة للاستغلال والظلم. تحدثت المترجمة حديثا جعلنا نشعر ليس بالظلم الواقع عليهن بل في الخوف من الله عز وجل عما يحدث وحدث لبعضهن . تقول المترجمة قادها ربها ذات يوم للسجن وهناك وجدت سيدة صماء بكماء ، لا تعرف لغة الإشارة، ولا تعرف كيف تتواصل بسبب ذلك ، وبذلت السيدة المترجمة جهدا حتى عرفت قصتها ، وكانت الحكاية : السيدة الصماء ، تزوجها رجل رغب فيها بداية ، ودفع لها جزءا من المهر حاضرا وأغلبه مؤخر ، وهو مبلغ كبير لعل ذووها أرادوا بذلك صونها ضمن حياة زوجية ، لكن الرجل مل سريعا وكلما همّ بتطليقها وقف المؤخر في دربه ، الذهن الشيطاني تفتق عن شيء في منتهى القذارة ، أقول ذلك وأظن الكلمة قاصرة ، أحضر صديقاً له ومكّنه منها قاومته وانهارت ، ومن ثم أثار قضية عليها، متهما إياها بسوء الخلق وتعاطي بيع الجسد ، حكم عليها بالسجن ، وربما وجد القاضي مجالا للشك القليل مكنه من عدم إقامة حد الزنا لمحصن عليها .. ولا شك أن وقت الاستئناف مضى .. ولا أشك أبدا أن المترجمة أبلغت السجن ، وهو من يتدبر الأمر .. ولعل السيدة أطلق سراحها ودخل السجن من يستحقه فعلا .. هذه القضية الصدفة ، تدفعنا للتفكير، تُرى كم من الصم والبكم سجنوا ظلماً ، بسبب شيء بسيط للغاية وهو عدم وجود مترجمين محلفين للغة الإشارة ، يترجمون أمام القاضي وكذا في مديريات الشرطة ينتدبون لذلك؟! وبالتالي تظهر الحقيقة أمام قاضي wالتحقيق وقاضي المحكمة .. وكان هناك إدراج توصية بضرورة تواجد مترجمين محلفين في المحاكم .. القضايا التي في الجهات الرسمية كثيرة ومتشعبة ايضا والتي يكون أحد أطرافها صم بكم ، ولا يعني أنهم بشر فوق البشر ، ولكن تهيئة سبل العدالة لهم .. إحداهن قالت وهي التي تستطيع الحديث ، إن الظلم المادي كبير جدا ، بحيث يعملن بكل جد ونشاط ويركزن على العمل ، سواء عبر الأجهزة الإلكترونية أو عبر الورقية ، بلا ضوضاء ولا هاتف نقال ولا بي بي ، ا بينما رفيقاتهن المتكلمات يشرحن ويتكلمن ويحصلن غالبا على مكافآت تحرم ذوات الإعاقة السمعية منها .. ربما الظلم عندما يأتي من جهات عادية وبسيطة يكون أهون بكثير من ان يقع من جهات محترمة وعلمية ، كالجامعات والمعاهد العلمية التي تقلص نسبة القبول فيها ، وبذا يقع ظلم كبير يؤثر في مستقبل حياتهن .. يقاس رقي المجتمعات برقي الخدات العامة، والتي يستفيد منها الجمهور المتلقى الطبيعي ، من مرافق الطرق والمؤسسات ومراكز التسوق وما إليه .. ويزداد رقياً كلما اهتم بالفئات المحتاجة للخدمة ، فالجامعات في أغلب دول العالم ، مجبرة بتأمين مترجم خاص لكل من يعاني من إعاقة سمعية ، تماما كما هي مجبرة بتأمين الزحليقات الخاصة بذوي الإعاقة الحركية ، ومجبرة أن توفر المواقف الخاصة لسيارات المعاقين ، ومجبرة بوضع علامات خاصة في سيارات الصم ومجبرة أيضا بوضع ارشادات خاصة لذوي هذه الإعاقة .. أما ذات الإعاقة الحركية المتواجدة فقد أخذت هي الأخرى حقها في التعبير عن مأساتها .. وربما يأتي حديث آخر ..