العلم هو الوعاء الذي ينضح الفكر والثقافة في أوساط المجتمع، وهو أساس البناء والنماء، وكانت أول سورة نزلت على معلم الأمة محمد بن عبدالله صلى الله عليه وسلم سورة القلم (اقرأ باسم ربك الذي خلق) وتواترت آيات قرآنية وأحاديث نبوية تدعو إلى التعلم وتحث عليه قال الله تعالى: (قل هل يستوي الذين يعلمون والذين لا يعلمون) وقال صلى الله عليه وسلم «خيركم من تعلم القرآن وعلمه» ومن هذا الهدي الإلهي اهتمت الأمة الإسلامية بالعلم فكانت لها الريادة خلال حقبة من الزمن، وجاءت الدولة السعودية الحديثة لتضع التعليم على قائمة أولوياتها فسارت النهضة المباركة من مدارس محدودة إلى جامعات مرموقة. وقد تميز عهد خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز - حفظه الله - برعاية العلم وأهله مع اهتمام خاص بتعليم المرأة كشريك أساسي في التنمية، فأمر بإنشاء جامعة نسوية وأعطى للمرأة السعودية مراكز قيادية، فجاء التشكيل الوزاري الأخير ليكون التعليم محوراً فيه، حيث اسندت وزارة التربية والتعليم إلى صاحب السمو الأمير فيصل بن عبدالله بن محمد وثلاثة نواب (ثالثهم امرأة) والجميع مشهود لهم بالكفاءة العلمية والحنكة الإدارية. وفي الجلسة التي عقدها مجلس الوزراء الموقر يوم 29/2/1430ه برئاسة خادم الحرمين الشريفين - وفقه الله - أكد على أهمية العناية بتعليم المرأة وتدريبها وصقل مواهبها لرفع مساهمتها في ميادين النهضة الشاملة، وجاء هذا التأكيد من مجلس الوزراء بعد أن تم وضع الأسس اللازمة لتحقيقه. نعم اننا بحاجة إلى المزيد لتدريب وتأهيل المرأة، والمجتمع لا يعاني من قلة أعداد المتعلمات فالآلاف يحملن شهادات جامعية وفوق الجامعية في مختلف التخصصات، غير ان هذا لا يكفي فالكثير من اللاتي التحقن بالعمل كانت فرصتهن لاكتساب الخبرة وبناء المهارة ضيقة بسبب سيطرة الرجل وإلزامه لهن بتلقي الأوامر فقط، فالهيمنة الذكورية في الادارة وعلى مركز القرار، جعلتهن مجرد متلقيات يعشن في دائرة الخوف من الاجتهاد وإعمال الفكر وكأنهن يقلن: التقصير في واجب المهنة أهون ضرراً من الاجتهاد فيما فوقه، إلى درجة ان شقيقاتهن من النساء أصبحن يتخوفن من تعطل مصالحهن أو تعقد الاجراءات اللازمة لهن إذ أحيل الموضوع إلى القسم النسائي. ولعلي استشهد بموقف لاحدى قريباتي طلبت مني مساعدتها في متابعة طلب تقدمت به تلتمس نقلها من مدينة إلى مدينة أخرى لأسباب منطقية وظروف قهرية، فكانت أول وصية أو رجاء تطلبه قائلة لي «أرجو أن لا يحيلوا أوراقي إلى الحريم». وأنا هنا لا أقول «شهد شاهد من أهلها» لأني لا أشك في حرص ونزاهة موظفات قسم الحريم، بقدر ما أعرف الأسباب التي جعلت منهن محل عقدة في ادارة العمل، انه تسلط الرجل وهيمنته واستئثاره بفرص التدريب والتأهيل وبناء القدرات وصقل المهارات، فهل حان الوقت إلى أن تتحول إدارات التعليم الخاصة بالبنات إلى ادارة نسوية. انني لأرجو ذلك، يحدوني الأمل في القيادة الجديدة لوزارة التربية والتعليم. وان الوضع في بقية الوزارات والمؤسسات الحكومية والجامعات ليس ببعيد مما هو عليه الحال في وزارة التربية والتعليم، فهل من نقلة نوعية للادارة النسوية.. آمل ذلك. * الأمين العام للمنظمة العربية للهلال والصليب الأحمر