من أراد أن ينظر إلى قسمات وجه السياسة السعودية فلينظرْ إلى قسمات وجه لغة خطاب خارجيتها في تصريح وكيلها الأمير تركي بن محمد، وهو يتحدث بلغة الواثق الذي لا يزايد بمبادئ سياسة بلاده ، ومن أراد أن يغوص في أعماقها فليتزودْ بتفاصيل ودقة عباراته وهو يتحدث عن التجاوزات الإيرانية، والوضع في المنطقة وموقفه الوطني الذي يعكس إجماعا وطنيا عاما إزاء ذلك . مزيج عجيب من الحدة والسماحة وذاك الذي لا يخفى من طبع المواجهة في إقدام الفارس الأنِف، وطبع المسايرة في إحجام الدبلوماسي الذكي ، وأن عدم التدخل في شؤون الغير يعني تماما عدم السماح لهذا الغير بالتدخل في شؤوننا ، وأن (سياسة) أو فقل : (مبدأ) عدم التدخل في شؤون الغير لا يعد ضعفاً أمام الأقوى، أو انحناءً لأطول والدليل أن المتوهم ضعفاً صار قوة والمتوهم انحناءً صار عملقة عندما أشار الأمير إلى مغريات الداخل الإيراني بالتدخل ، وغير خافية تلك المجازر في الأحواز العربية، وذاك الاضطهاد الفارسي لكل ماهو عربي ، وعدم السماح للإيراني العربي سنياً كان أم شيعيا باستعمال لغته العربية كأبسط حقوق الإنسان في أبجديات حياته ، وقل نفس الظلم والاضطهاد في حال الأكراد والبلوش والأذريين وسواهم من اكثريات صارت زورا وبهتانا تسمى أقليات وفق عنصرية الإحصاءات الفارسية . حقيقة الأمر أن المغريات كثيرة وأكثر من استغلال الاحتقان الداخلي المصدر عبر اختلاق الأزمات، وتصاريح التأزيم الصادرة بين الفينة والأخرى التي لم يكن أولها ولن يكون آخرها تصريح رئيس الأركان الأخير.. غير أن ذلك كله يجب أن لا يشغلنا عن تصحيح جوانب القصور وأماكن الخلل في داخلنا الخليجي العربي، فهناك جملة من التحديات تواجهنا ولابدّ من تعريفها بلا مواربة من أجل تجاوزها بسلام.. وكما قال الأمير تركي الفيصل وهو يتحدث في مؤتمر مركز الإمارات للدراسات والبحوث الإستراتيجية : إن استقراء الواقع الحالي يبرز انكشافنا أمنياً وسياسياً واقتصادياً وثقافياً، ويفرض ألا نركن إلى أن الاستقرار والنمو اللذين تحققا سيدومان إلى الأبد ، فتغيّر الأحوال هو سنة الحياة ، ولهذا ينبغي ألا يدوم الانكشاف الاستراتيجي طويلاً ، وعلينا بذل جهود مضاعفة لولوج المستقبل بثقة واطمئنان. الأكيد - عندما نقرأ خطابنا الرسمي والفكري في عبارات الأميرين - أنه لابد من إعادة التفكير في كثير من المسلّمات التي كانت مناسبة لحياتنا من قبل، وسمحت لنا بكثير من الاستقرار ومواجهة أزمات الثورة الإيرانية والحرب الإيرانية - العراقية، وغزو الكويت واحتلال العراق ، والتطرف وأن ما تتمتع به المنطقة من ثروة غير كافٍ لتحقيق الاستقرار، وعلينا أن نكون فاعلين أساسيين في جميع القضايا الدولية ، وألا نسمح بفرض خيارات الآخرين علينا بحجة الانكشاف الذي نعانيه.. والأكيد أيضا أنه لابد من العمل في مجلس التعاون على تحقيق الوحدة تدريجيا تمهيدا لتحولنا إلى اتحاد على غرار الاتحاد الأوروبي بجيش موحد، وكذا امتلاك قوة نووية تواجه القوة النووية الإسرائيلية أو الإيرانية، وهذا كله ليس محالا، ولا حتى صعباً إن أردنا..