كتبتُ هنا منذ زمن مضى لا أذكر متى موضوعاً عن تعلّم المهارات تساءلتُ فيه عن ماهية الشيء الذي كنا نود الخروج به وقت كُنا صغاراً حين نأتي بقطعة مغناطيس ننتزعها من قلب مولّد اسطواني صغير (دينمو) يأتي عادةً مع (السيكل) في الزمانات الماضية، فنقوم بحرثها بالتراب (أي قطعة المغناطيس) لتلتقط كل ما تواجهه من قطع معدنيّة ومسامير وبرادة حديد لا أعلم عن مصدرها فنجمع قطع الحديد الصغيره ونضعها فوق ورقة ونمرر المغناطيس من تحتها فنستمتع بدهشة رؤية برادة الحديد وهي تتجمّع بأشكال عجيبة وتتحرك كلما حرّكنا المغناطيس تحتها يميناً أو شمالاً، يسميها البعض ب(شوشة إبليس).! هذا أمر أما الآخر فهو (الزئبق) الذي كُنّا نشتريه بكل بساطة من الباعة المتجولين فنضعهُ في زجاجات صغيرة لنتمعّن برؤية تشكيلاته وهي تتحرك فضيّة لامعة فنقوم بوضع أجزاء منه على راحة اليد واللعب بها بالأصابع حتى تتفتت إلى ما يشبه الكُريّات الصغيرة تتدحرج بشكلٍ يصعب الإمساك بها،لم نكن نعرف خطورة الزئبق على صحّة الإنسان ولا تأثيرات أشعة المغناطيس. الشاهد أن ذاك اللهو المتواضع لم يكن له أي تأثير على علاقاتنا الاجتماعية مع غيرنا، فقد كنا على علاقة حميمة مع الآخر الصديق أو الزميل لا أتوقع وجودها اليوم بعكس الجيل الحالي المذهل في كل شيء. مذهل بذكائهِ وسُرعة تعلمه .مُذهل في استيعابه وتقبله للجديد. مذهل في عدم اندهاشه لرؤية الأشياء التي كُنا نعتقد بكونها غريبة ومُدهشة. نعم هو الجيل الذي سيقود البلاد مستقبلاً. السؤال حول كيفية علاقاته وتفكيره وحكمته في التعامل مع الآخر المُختلف؟ نشرتْ هذه الجريدة بتاريخ 3 إبريل الماضي في الصفحة الأخيرة تحت عنوان أطفال جيل التقنية فاشلون اجتماعياً . الخبر جاء من بريطانيا وبالتحديد من خبيرة تنمية الطفل " سو بالمر " تُحذر من تشجيع الأطفال على العيش حياة افتراضية داخل الشاشات لماذا؟ لأننا بهذا الفعل نقتل فيهم نزعاتهم التطورية، ونحد من قدراتهم على اكتساب مهارات النطق والكلام. يا ساتر.! ألهذه الدرجة من الخطورة على صغارنا ونحن يا غافل لك الله ؟ حسناً ما العمل ونحن لا يمكن بأي حال حرمان صغارنا من التعامل مع الأجهزة الالكترونية الوسائل الجاذبة في العصر الحديث؟ تقول بالمر : ما يحتاجه الأطفال حقاً هو لعب حقيقي مع أشخاص حقيقيين حتى يتسنى لهم النمو بصورة طبيعية. يعني (الكلام لي) بجانب الوقت الذي يقضونه في عالمهم الافتراضي الالكتروني يجب أن نشجعهم على بناء علاقات إنسانية طبيعية مع أطفال مثلهم . أجمل ما أسمع من حفيداتي بنات (سحر) ابنتي حين تقص عليّ إحداهن حكاياتها مع زميلات وزملاء المدرسة، أعرف حينها أنهن طبيعيات لم تحرمهن التقنية من علاقاتهن الاجتماعية ولم تؤثر في مهاراتهن الأساسية. خذوا بالكم من فلذات أكبادكم التي تمشي على الأرض..